... وختامها مسك مع برنامج «مهرجانات بيبلوس الدولية» (3 تموز/ يوليو - 4 آب/ أغسطس). جاز، وريغي، وبوب، وكمان بوست مودرن، وروك بديل، وأغنية فرنسية، واستعادة لصرحين عظيمين من صروح الذاكرة الثقافية اللبنانية عبر «الرحابنة الجدد»، ثم «مفاجأة من العيار الثقيل» ستجعل بيبلوس يتمدد إلى موسم الشتاء.
كانت جلسة الاعلان عن البرنامج، أيضاً، تبعث على نشوة الحواس، بعيداً من العلبة الزجاجية على ضفاف شارع الحمراء، وذلك تحت الخيم المنصوبة في المسبح الجبيلي، في مواجهة البحر، على مقربة من المرفأ القديم ومن الموقع الذي يحتضن مدارج المهرجان كل صيف. أما المقتطفات التي تعرّف بالأسماء والأعمال المشاركة هذا الصيف، فكان بوسع الجمهور مشاهدتها على شاشة عملاقة، ما يزيد المتعة ويضاعف الفائدة...
غاب وزير الثقافة غطاس خوري عن المنصة «لارتباط مسبق»، فمثلته لينا طحيني لتقول كلاماً لطيفاً عاماً عن «أرقى الورود»، وتوجّه شكراً للفريق، وتذكيراً بالموقع الاثري المُدرج على قائمة الاونيسكو، واشارة نبيهة الى «التأثير الايجابي للمهرجانات على القطاعين الاقتصادي والسياحي». وزير السياحة أفيديس كيدانيان شال الفرق. مناسبة بعد أخرى يستمرئ الوزير الجديد الخطابات، ويستطيب المنابر. أخذ وقته ليخبرنا أنه لا يكتب كلمته، بل «يرتجل» من وحي المكان والزمان، وأنه قرر «ما يحكي سياسة». لا والله احكي، ما بيصير! قبل أن يضيف: «ما بعرف شو بدي احكي عن بيبلوس». ما ضروري معالي الوزير. «المكان اللي بياخد العقل، متل ما بيقولوا». بتحكي بأصلك معاليك. وطبعاً في وقت من الأوقات، كان لا بد من أن يتذكّر شخصية أرمنية مرتبطة بالمناسبة ويحييها. لم لا؟
وفجأة قرر وزير السياحة أن يدلي برأيه في مطلب متكرر هذا العام تحديداً، عليه الاجماع، هو التخفيف من الاعباء الضريبية التي تثقل كاهل المهرجانات الكبرى في لبنان. وكانت لطيفة اللقيس، رئيسة لجنة «مهرجانات بيبلوس الدولية»، في مستهل المؤتمر الصحافي، قد اعادت طرح القضية - مثلما فعلت قبل أسابيع نورا جنبلاط (بيت الدين)، ثم نايلة دو فريج (بعلبك): «بالرغم من أن المهرجانات تديرها جمعيات لا تتوخّى الربح، وتستفيد من مساهمة الدولة، فهي تخضع لضرائب تبلغ 37 في المئة من مدخولها، ويستمر استحداث ضرائب اضافية بشكل دوري، حتى أصبح من الصعوبة بمكان، استمرار تقديم البرامج الفنية القيمة بأسعار مناسبة. وإذا استمر الوضع هكذا، ستتضاعف الاعباء على المهرجانات، ويتعذر عليها الاستمرار في العمل. ولا بد من معالجة هذا الوضع باهتمام رسمي يتناسب مع دور المهرجانات كمحرك للنشاط الفني والسياحي والاقتصادي». معالي الوزير كيدانيان: ««عم بسمع» كلام كتير عن الضرائب، بس برجع بسمع انو كل سنة بيطلع ١٠ - ١٥ مهرجان جديد». معاليه لا يعرف الفرق بين دعوة فرقة زجالة وبرمجة فرق روك عالمية. ولا بين مهرجان دولي مترسخ بيرمجة عالمية واسعة، ونشاطات جهوية لإحياء المناطق والسياحة الداخلية. ويضيف: ««سمعت انو» هناك مشروع قانون في ادراج مجلس النواب لاعفاء المهرجانات من بعض الضرائب، ووعدت أمشي فيه». لوين ماشي، خلينا متآنسين؟ قبل أن يلقي قنبلته: «نحنا وعم نعمل هالمهرجانات، بمكان ما عم نساهم بتنشيط مالية الدولة. هالفنانين يللي عم يحققوا ارباح اذا ساهموا ما بيكون غلط». هلق ماشي أو ماشي معالي الوزير؟ حضرتك معانا ومع التانيين، «ستيريو» يعني؟ أيعقل أن يرد عضو في الحكومة بهذه الخفة والاختزالية على مطلب خطير وحيوي اجمعت عليه المهرجانات الكبرى في لبنان؟ يمكن لازم تخفف شوي «الارتجال» معالي الوزير.
«معالي» رئيس بلدية جبيل سامي حوّاط (حسب التباس لفظي للطيفة اللقيس)، اعاد على مسامعنا رؤياه التنموية، وطموحاته استقطاب الزوار، واستعمل اكثر من ٣ مرات في ٣ دقائق عبارة «التضامن والتكافل»: بين الجبيليين وفعاليات المدينة، بين البلدية ووزارة السياحة، بين لبنان المقيم ولبنان المغترب، إلخ. أخيراً، جاء دور ناجي باز، «المنتج الفني لمهرجانات بيبلوس»، الذي نجح رغم الظروف الصعبة في تطريز برنامج يليق بالمواسم الكبرى للصيف اللبناني. كان من المفترض أن يتضمن البرنامج فرقة الروك البريطانية الشهيرة Deep Purple التي سبق أن استقدمها هو الى «بعلبك» في العام 2009. لكنّ ايميلاً بارداً وصله قبل أسبوعين من الجماعة، يعتذر عن الاخلال بالاتفاق بعد «تحذيرات من الحكومة البريطانية» وانسحاب شركة التأمين! لا بأس سيأخذ ناجي ثأره بحفلة ضخمة للمغني البريطاني الشهير إلتون جون مع فرقته، إنما في العاشر من ديسمبر. أي أن «بيبلوس» سيخترق الفصول هذا العام. «هذه الايام أصحو ٣ مرات في الليل واتفحص بريدي الالكتروني، خوفاً من مفاجآت غير سارة» يسرّ لنا في دردشة جانبية، الرجل القلق من «غدرات الزمن».
البرنامج إذاً. الافتتاح في ٣ تموز (يوليو) مع نجم الـ pop العالمي شون بول الذي سيأخذ الجمهور الى موعد استعراضي مع الرقص، على ايقاعات الـ «آر إن بي» و«الراب» و«الدانس هول». وهناك موعد خاص مع الريغي، يحييه جوليان مارلي ابن ايقونة الريغي، الفنان الجامايكي بوب مارلي، وسيغني اضافة الى اعماله طبعاً، باقة منتقاة من أشهر أغنيات والده (١٩/ ٧). على البرنامج ايضاً امسية مخصصة لعيون الجاز، من خلال تحية للأسطورة إيلا فيتزجيرالد في مئويتها، وهذه التحية تقدمها النجمة الاستثنائية باتي أوستين التي تعد من أهم أصوات الجاز النسائية (٢١ / ٧). الموعد الوحيد مع «الروك البديل» هذا الصيف في لبنان، سيكون في «بيبلوس» مع الفرقة الألمانية Milky Chance التي تتمتع بشعبية واسعة في صفوف الشباب اللبناني (٢٤/ ٧). وسيكتشف الجمهور عازف كمان من الطراز الرفيع هو الارمني اللبناني الاسباني آرا ماليكيان الذي يجمع بين فيفالدي و«راديو هاد» و«لد زبلين» (٢٧ / ٧). وللأغنية الفرنسية نصيبها مع «روبن هود» الصاعد إم بوكورا الذي يقدم برنامحاً خاصاً هو بمثابة تحية إلى النجم الراحل كلود فرنسوا (٤/ ٨).
طبعاً تبقى الأمسية اللبنانية. هذه السنة، ستستعيد بيبلوس مبدعين استثنائيين في تاريخ الاغنية اللبنانية والاوبريت والسينما والاستعراض: المغني نصري شمس الدين والممثل المغني «سبع الملحنين» فيلمون وهبي. «نصري وفيلمون في البال» (١٦/ ٧) عرض ممسرح بالصوت والفيديو والغناء والموسيقى، يحمل توقيع أبناء منصور الرحباني، فكرة وتوزيعاً وتقديماً: غدي سيقود الاوركسترا، وأسامة سيحضر وراء البيانو، ومروان الرحباني يتولى الاخراج. لن يكون استحضاراً تقليدياً، يوضح لنا غدي الرحباني، بل لحظات ادائية مشغولة لتشبك الراهن بعصر ذهبي مضى. يشارك في الغناء، «صاحب الصوت الهادر» غسان صليبا، و«المغنية المتميزة» باسمة، والمغنية المغربية أسماء لمنوّر. أما «الحكواتي» التي سيربط بين اللوحات والمشاهد، ويعطي العرض تماسكه، فهو الممثل رفيق علي أحمد. نصري وفيلمون المظلومان لأسباب مختلفة من قبل المؤسسة الرحبانية (لا يوافق أسامة، حين نلفت نظره الى الامر، على اعتبار فيلمون مظلوماً)، ها هي «بيبلوس» تختار الرحابنة الجدد كي يردوا إليهما بعضاً من الاعتبار!