أناسٌ مقنعون، ثيابهم متسخة، لغتهم غريبة أوغير واضحة المعالم، يرفعون أسلحة بدائية (صواريخ آر. بي. جي. وبنادق كلاشينكوف قديمة)، يصرخون بقوة وغضب مبتهجين بقتل الآخرين، بتعذيبهم، وتقطيع أوصالهم: إنّه مشهد سوريالي لا يمكن أن تراه إلا في أفلام هوليوود... وفيديوهات «داعش»!البروباغندا جزء من أي لعبة سياسية ــ إعلامية، تلجأ إليها عادةً أنظمة تخشى أن تغيب عن الواجهة. ولأنّ هذا العصر هو عصر الإعلام والإعلان، من الطبيعي أن يحوز «تصدّر» الخبر الأهمية القصوى في أي عمل، ولدى أي جهةٍ تريد البقاء في الواجهة، وبالتالي تحوّلها إلى «قوّة» لا يُستهان بها.

عبر إعداماته الاستعراضية، يطبّق «داعش» قول المستثمر الأميركي الشهير وارين بافيت: «إذا كنت مجهولاً، تكسد بضاعتك». لم يكن غريباً البتة أن يلجأ التنظيم الإرهابي إلى أساليب جديدة في إعدام معارضيه وضحاياه. بعدما أعدم الطيّار الأردني معاذ الكساسبة بالحرق حيّاً، وزّع أخيراً فيديو جديداً بعنوان «إن عدتم عدنا» (7 دقائق)، يصوّر فيه إعدام 14 عراقياً بثلاث طرق مختلفة، اتهمهم بـ«التجسس». كلّ طريقة أكثر وحشية من سابقاتها، إذ تنوّعت بين الإغراق داخل قفص، والقتل بواسطة قذائق الآر. بي. جي.، والتفجير عبر ربط حبل متفجر في الأعناق.
نجح «داعش» في الوصول إلى «المحيط الإعلامي» الذي يحلم به. من خلال جولة بسيطة على وسائل الإعلام الأجنبية، يتضح التأثير الكبير للشريط المصوّر على الرأي العام الأجنبي. مثلاً، وصفت «دايلي مايل» البريطانية الفيديو بأنّه «مثير للغثيان». شبكة «سي. أن. أن.» الأميركية سبق أنّ أسمت فيديو إعدام الكساسبة «الأكثر وحشية حتى اللحظة»، ثم وصفت فيديو إعدام من مدينة الموصل بأنّه «الأكثر رعباً»، ثم الفيديو الأخير بأنّه «الوحشية المطلقة».

«سي. أن. أن.» وصفته بأنّه «وحشية مطلقة»

في الإطار عينه، حقق الفيديو المذكور على مواقع التواصل الاجتماعي كمّاً هائلاً من المشاهدة، فيما حوت أبرز التعليقات فكرة واحدة: «إنّهم مخيفون. إنّهم يخيفوننا». يدرك المطلعون على الشأن الإعلامي ومن يعرفون حرفته أنّ «داعش» لن يتوقف هنا. سيحاول في كل مرّة يبتعد فيها الإعلام عنه اللجوء إلى مشاهد أكثر «تحفيزاً» لهذا الإعلام لمتابعته وإعادة تسليط الضوء عليه. الوحشية البالغة في قطع الرؤوس، والإحراق، والإغراق، قد لا تعود كافية لجذب المشاهد الذي قد يكون اعتاد المشهد عموماً.
وكما تقول الأغنية الشهيرة The show must go on (العرض يجب أن يستمر) لفرقة «كوين» البريطانية، فإنّ «داعش» سيستمر في سلوكه بهدف الحصول على جمهورٍ جديد يستقطبه عبر الترغيب أو الترهيب. يمكن النظر إلى الأمر كما قال بيل إيليس صاحب كتاب «عبادة الشيطان ووسائل الإعلام»: «كثيراً من الناس عبدوا الشيطان لأنّهم خافوه، وهم مستعدون لخدمته تجنباً لبطشه ووحشيته». هذا هو حرفياً ما يقوم به التنظيم الإرهابي، فهو يلجأ إلى «إرعاب الناس بهذه الطريقة الفعّالة ما يجعلهم أمام خيارين لا ثالث لهما: إما معنا وتتجنبون أن نفعل بكم ما نفعله في هذه الفيديوات، وإما ضدّنا وبالتالي أنتم عرضةٌ لكل هذا».
يبلغ الخوف أشدّه بعد مشاهدة هذه المقاطع المصوّرة، وخصوصاً مع أشكال «البوهيمية» التي يظهر بها «المقاتلون»، ولطالما ذكّرت بأفلام Mad Max الذي يُعرض جزءه الجديد في الصالات حالياً. فهل هذا محض مصادفة؟!