يتميز مسلسل «لا تطفئ الشمس» بالكثير الذي يجعله واحدة من أهم وجبات الدراما المصرية لهذا العام. يأتي وجود نجمة كبيرة وقديرة بحجم ميرفت أمين واحدة من تلك القوى التي تميّزه، إضافة إلى وجود المحبب محمد ممدوح أحد نجوم واكتشافات رمضان الفائت (في مسلسل «غراند أوتيل»)، أو حتى الموهوبة للغاية جميلة عوض.
لكن الأمر أبعد فقط من مجرّد نجومٍ يمتلكون القدرة على التمثيل. إذ يحضر «النص» الأصلي المقتبس عن رواية الكاتب الكبير الراحل إحسان عبد القدوس (سيناريو وحوار تامر حبيب) والممتد على جزءين (أكثر من 1200 صفحة). علماً أنّ السينما المصرية قدّمت هذه الرواية على شكل فيلم في عام 1961 مع المخرج القدير صلاح أبو سيف، وبطولة الكبار: فاتن حمامة، عمر الشريف، وأحمد رمزي، وشكري سرحان.
تدور قصّة المسلسل حول عائلة تعود من الغربة بعدما توفي الوالد. الوالدة إقبال (ميرفت أمين) لديها ثلاث بنات وشابان هم قمّة في التناقض والتنوّع. أحمد ابنها البكر (محمد ممدوح) المتردد والخائف، مقارنة بآدم (أحمد مالك) المنطلق والمندفع إلى الحياة بقوّة، فيما إنجي (أمينة خليل) الابنة الوسطى، الموظفة تعشق حبيباً فقيراً، وتريد أن «تعيش تجربة كفاحٍ رومانسية»، بالمقارنة مع شقيقتها الكبرى أفنان (ريهام عبد الغفور) الباحثة الجامعية الجادة للغاية والكئيبة معظم الوقت. أما آية (جميلة عوض)، فراشة العائلة، فهي غارقة في حب أستاذها (فتحي عبدالوهاب). كل هذه الأحداث تتسارع في الرواية كما في المسلسل، مع إضافة الكثير من الشخصيات التي تشكل منعطفات مهمة في حياة أبطال المسلسل.

المقارنة بين فيلم عام
1961 ونسخة رمضان المتلفزة
ظالمةً بعض الشي

تبدو المقارنة بين فيلم عام 1961 ونسخة رمضان المتلفزة ظالمةً بعض الشيء، خصوصاً أن نجوم العملين يختلفون لناحية التجربة، فالخماسي الكبير (أبو سيف، حمامة، الشريف، رمزي، وسرحان) متمرسٍ بحرفةٍ أكبر من نظرائه في المسلسل. وحدها ميرفت أمين تمتلك حرفةً يمكن مقارنتها بنظرائها القدامى، والوحيدة ذات الباع الطويل في التحرّك «بحرية» أمام الكاميرا. كل هذا لا يمنع النسخة المتلفزة من أن تكون متميزةً إلى حدٍّ كبير ولهذا أسبابٌ عدّة. أدائياً/ تمثيلياً، تقدّم جميلة عوض (ابنة المخرج السينمائي عادل عوض ونجمة الثمانينيات والتسعينيات راندا) أداء يذكرنا بالنجمات الكبيرات، سواء لناحية ارتداء الشخصية، أو حتى ملامح الوجه البسيطة والعفوية. النجمة الشابة التي عرفها الجمهور سابقاً مع أفلام مهمّة مثل «هيبتا» و«لف ودوران» (2016)، يمكن اعتبارها واحدةً من أفضل ممثلات العمل، وحتى بنات جيلها رغم عمرها القصير. شيرين رضا، النجمة الشقراء التي دخلت عالم التمثيل متأخرة، لا تزال تثبت أنها فاكهة ضرورية لنجاح الأعمال، فتعطي أداء يذكرنا بالنجمات الفرنسيات أو الإيطاليات لناحية الواقعية والحقيقية. وإذ تؤدي دور المرأة الأكبر سناً و«الحرة»، فإنّها تعيد إلى الواجهة نقاش «الحرية» في مقابل «الحدود». محمد ممدوح، اكتشاف العام الفائت، الذي يمتلك كاريزما تمثيلية مذهلة، يبدو محدوداً في دوره داخل المسسلسل. هذا لا يعني أنه لا يؤدي بطريقة جيدة، ولكن يبدو أن دوره الشبيه جداً بدوره في مسلسل «غراند أوتيل» يرخي بثقلٍ عليه. أحمد مالك، النجم الشاب الموهوب يشعر المشاهد أنه أمام «طاقة» متدفقة. هو قادر على إعطاء مشاعر جياشة في مشاهد قصيرة للغاية، وهو أيضاً من أعمدة المسلسل وقواه. أما أمينة خليل، فهي تحافظ على طريقتها الجيدة في الأداء، لكن يمكن تنبيه الممثلة الشابة إلى أنّها رغم موهبتها، إلا أنّها تقع أحياناً في فخ «المعاد» (أي تكرار شخصياتها وأدائها ضمناً)، لذلك عليها التنويع في أدوارها كي تبتعد عن التكرار.
إخراجياً يظهر محمد شاكر خضير (وهو أيضاً مخرج «غراند أوتيل») ماهراً في التعامل مع نجومه في العمل، وفي هذا مهارة جيدة. بحسب مارتن سكورسيزي، فـ «المخرج الذي يعرف كيفية التعامل مع نجومه، يخرج أفضل ما فيهم، فتنجح كل أفلامه». بدوره، بات السيناريست تامر حبيب (في تعاونه الثالث مع خضير) يعرف بسيناريست النجاح. لاقت معظم أعماله السابقة نجاحاً كبيراً بدءاً من «طريقي» (مع شيرين عبدالوهاب 2015)، إلى «غراند أوتيل» (2016). لذلك، فإنه ليس غريباً عليه أن يكون السيناريو متيناً ومكتوباً بحرفةٍ تجعل المشاهد ينتظر منه الكثير.
باختصار، يبدو «لا تطفئ الشمس» واحداً من أهم إنتاجات العام، وكيف لا: قصة معروفة مكتوبة بحرفة بالغة، مخرج وسيناريست يعرفان من أين تؤكل الكتف، إضافةً إلى ممثلين يقدّمون أداء احترافياً عالياً.

«لا تطفئ الشمس»: 6 مساء على «إي. أر. تي حكايات 2» ـــ 5 مساء على «أم. بي. سي. دراما» ــ بتوقيت بيروت