لم يحظ مسلسل منذ أعوام بضجةٍ هائلةٍ حوله كما هي الحال مع «حارة اليهود». كانت التسمية واستعمال كلمة «اليهود» نوعاً من «البروباغندا» المبدئية للمسلسل الذي تنتجه وتخرجه وتكتبه عائلة العدل (المنتج جمال، المخرج محمد، الكاتب مدحت، وبالتأكيد الممثل سامي). منذ بداياته، يرسم العمل حياة اليهود المصريين وجيرانهم في حارة أسميت «حارة اليهود» منذ عام 1948 حتى «ثورة يوليو» عام 1952، ثم العدوان الثلاثي على مصر عام 1956.

بدت البطلة اليهودية «ليلى» (منّة شلبي) ساهمةً أغلب الوقت كما لو أنّها تحلم، لا يعرف المشاهد لماذا هي هادئةً للغاية في مقابل الفتاة «ابتهال» (ريهام عبد الغفور) التي تنافسها على قصة الحب الرئيسية في المسلسل (مع البطل الأردني إياد نصّار) المتوترة أغلب الوقت.
في ذلك لا مشكلة، فالمعتاد في السينما والدراما التلفزيونية العربيتين هو هكذا: شريرٌ مقابل طيب، لا حلول وسط.
في هذا العمل، ظهرت عائلات اليهود جزءاً من النسيج الاجتماعي للمجتمع مقابل «شيطنة» تنظيم الإخوان المسلمين الذي يظهر بصفته العدو الرئيس لليهود والراغب الأساسي في تهجيرهم إلى فلسطين وترحيلهم من مصر. هنا تبرز لمسة الكاتب جمال العدل، إذ استغل كراهية النظام الحالي للإخوان المسلمين وأراد تسجيل نقطة رئيسية في مواجهة أعدائه، فوسمهم بأنّهم يفجرون ويحرقون منازل اليهود ومحلاتهم في «تظليل» للاتهامات الموجهة حالياً للتنظيم في مصر.
لا شك في أن هذا ما يمكن أن يطلق عليه لقب «ضربة معلم»، إذ يمرر قليلاً لليهود تحت حجّة أنهم «مسالمون» ومحبون (نظراً إلى العلاقة المستجدة بين نظام السيسي وتل أبيب) وبأنّ ما حدث في «فلسطين» واحتلالها والهجرة إلى هناك وكل تلك الحروب والصراعات هي مجرد «مشاكل قام بها مغالون متعصبون من الطرفين».

تجاهل العمل دور
الضغوط والإغراءات الصهيونية في التشجيع على الهجرة

هذا من جهة، ومن جهةٍ أخرى يلقي اللوم على تنظيم الإخوان بسبب تلك «الهجرة» السريعة لأولئك الناس «الطيبين».
لكن بالتأكيد ما فات العدل أنَّ اليهود لم يرحلوا من مصر لأنَّ النظام عاداهم، أو لأن بيوتهم ومحالهم قد فجّرت بهذا المقدار الذي يظهره المسلسل، بل لأنّ كثراً منهم أيضاً صدّقوا الدعاية الصهيونية المرتبطة بـ «أرض الميعاد»، فضلاً عن الرغبة في الحصول على المكاسب جراء تلك الهجرة (كانت دائرة الهجرة في المنظمة الصهيونية العالمية تعد العائلة الصهيونية التي تهاجر بمنزلٍ وقطعة أرض فضلاً عن مبلغٍ كبير من المال).
يضاف إلى كل هذا الضغوط الصهيونية الداخلية التي كانت تمارس عليهم من قبل الحاخامات للهجرة إلى «الأراضي المقدسة»، وفوق كل هذا الضغوط «الخفية» التي أقر بها مناحيم بيغن (رئيس وزراء العدو الأسبق) في مذكراته حين قال: «قمنا بالعديد من التفجيرات والأعمال الإرهابية ضد مصالحٍ يهودية بهدف دفع اليهود للهجرة إلى فلسطين تحت حجة أنهم مضطهدون من جوارهم». ولم ينس مؤلف المسلسل بالتأكيد العروج على الشيوعيين مشيراً إلى أنّهم «كانوا مشجعين وداعمين للحركة الصهيونية» وهو أمرٌ غير دقيق «لأن الشيوعيين المصريين لم يلعبوا بدماغ الشباب لتحويلهم للصهيونية» وفق ما قالت ماجدة هارون رئيسة الطائفة اليهودية في مصر.
لا يمكن بالتأكيد الحديث عن المسلسل تاريخياً فقط ولو أن هذا كان الأبرز فيه، فالجانب الدرامي يبدو متأرجحاً إلى حدٍ ما. تبدع منّة شلبي في أداء دور ليلى التي تخوض حباً مستحيلاً مع الشاب المسلم، لكن محدودية الدور جعلت منة مقيدة رغم موهبتها.
حين تنفعل، يبقى انفعالها «انفعال الفتاة المؤدبة» كما يسمونه لأن الدور «يلزمها» أن تبقى «اليهودية الحالمة المؤدبة» (تشبه بطلات أفلام «ديزني» من هذه الناحية). على الجانب الآخر، أدت ريهام عبد الغفور بحرفية دور الفتاة المسلمة الخصم لمنة التي تغار منها، لكنها لا تكره اليهود، فصديقتها الأقرب هي يهودية، لكن ذلك لم يمنعها من وصف ليلى دوماً بـ «ابنة اليهودية».
إياد نصّار ينجح بالتأكيد في امتحان الأداء واللهجة المصرية معاً، لكن «مسحة» البطل المصرية لا تزال تسيطر عليه.
البطل في الشاشة المصرية هو «بلا عيوب»، و»خارق»، وفوق كل هذا «تعبده» الجماهير. هذه هي فعلياً شخصية «علي» في المسلسل (يحبه الجميع وهو معشوق الفتيات، لطيف، مخلص وشهم، وفوق كل هذا ضابط شجاع وبطل في الجيش).
هذا الخطأ الجسيم في «تسطيح» الشخصيات سمة «مصرية» على الأغلب في رسم الشخصيات. تأتي بقية الشخصيات هامشيةً إلى حدٍ كبير، مثل قصة الحب بين المعلمة صاحبة «منزل الدعارة» التي تؤدي دورها هالة صدقي، والفتوة المعلم فتحي العسّال الذي يؤدي دوره بإتقانٍ بالغ النجم سيد رجب.
إخراجياً لا يمكن الإشارة إلى أن هناك بصمة معينة، إذ لا تبرز «كادرات» خارقة، أو زوايا كاميرا أو متابعة مذهلة. يبدو المسلسل عادياً «تقنياً» ومشابهاً لأي عملٍ رمضانيٍ آخر.
يمكن القول بأنه لولا الضجة السياسية المثارة حوله، لكان مجرد عمل رمضاني لن يشاهده كثيرون.

* «حارة اليهود»:
يعرض على قناة «أوربت مسلسلات» الساعة 11 ونصف صباحاً، و3 ونصف ظهراً، و7 ونصف مساء، و11 ونصف ليلاً بتوقيت بيروت




تعليقاتٌ عبرية

فُتن الصهاينة بالمسلسل، فأكدت القناة العبرية الأولى أنه يصوّر حياة اليهود «الذين كانوا أغلبية في القاهرة في فترةٍ من الفترات» (هذه المعلومة غير صحيحة). وكانت السفارة الإسرائيلية في مصر قد كتبت على صفحتها على فايسبوك: «شاهدنا في سفارة إسرائيل أولى حلقات المسلسل المصري «حارة اليهود»، ولقد لاحظنا للمرة الأولى أنه يمثل اليهود بطبيعتهم الحقيقية الإنسانية، كبني آدم قبل كل شيء، ونبارك هذا العمل». لكنها انتقدته لاحقاً بحجة أنه «يهاجم» الصهاينة ويصوّرهم «وحوشاً» آدمية. أما مدحت العدل، فطالب «بعدم الخلط بين الديانة اليهودية والفكر الصهيوني» معتبراً أن الكيان الصهيوني كيان قائم على «العنصرية».