«تسيطر عليّ حالة من الغضب والحزن من وحيد حامد، لا يمكن وصفها. سيد قطب يحضر مجلس قيادة الثورة، ويحسم الموقف لصالح الجماعة، ويعامل هو وحسن العشماوي جمال عبدالناصر مؤسس تنظيم الضبّاط الأحرار ومفجّر «ثورة 23 يوليو» معاملة الند للند ويخاطبونه باسمه.
حتى المؤرخ المعتمد عند الإخوان المسلمين في مجلداته الثلاثة، لم يذكر التخاريف التي وردت في المسلسل» بهذه الكلمات، علّق أحد أهم المؤرّخين المصريين جمال شقرا على مسلسل «الجماعة» في جزئه الثاني. رغم هذا الكلام الصادر من المؤرخ المعروف، إلا أن المسلسل يمظهر بقوّة مرحلة ما بعد الملك فاروق، والصراع القوي بين شخصيتين مؤثرتين هما الزعيم جمال عبدالناصر، والمنظّر الفعلي لحركات الإسلام السياسي التكفيرية سيد قطب.
المسلسل الذي كتبه وحيد حامد، يقدّم نوعاً من التصوّر الواقعي لما كانت عليه الأوقات إبان الصراع العلني والخفي بين أقوى جماعة إسلامية سياسية (الإخوان المسلمين)، وبين تنظيم الضبّاط الأحرار الذي حكم مصر بعد «ثورة 23 يوليو» 1952 التي خلعت الملك فاروق.
يمتلك المسلسل واحداً من أفضل كتاب السيناريو في مصر، ولو أنَّ كلام المؤرخ شقرا يجب أخذه في الإعتبار. إلا أن ذلك لا ينفي أن ما يكتبه حامد يشد الجمهور، هو الذي عرفه الناس مع عادل إمام في كثيرٍ من أفلامه السياسية («اللعب مع الكبار»، «طيور الظلام»، «الإرهاب والكباب»...) التي جعلته «الزعيم»، وهو الذي قدّمه للمرة الأولى في التلفزيون من خلال مسلسل «أحلام الفتى الطائر» (1978).
يستطيع حامد المزج بين اليومي- الشعبي، والسياسي- العام بسهولةٍ فائقةٍ، مما يجعله واحداً من أمهر كتّاب السيناريو العرب. في «الجماعة 2»، استطاع أن يرسم «كاراكتر» سيد قطب بطريقةٍ مدهشة. تأتي شخصية قطب محاطةً بنوعٍ من القدسية لدى الحركات الإسلامية، حتى إن هناك تياراً سياسياً/ دينياً يسمّي نفسه بالقطبية. ولا ريب أن إعدامه أضفى مسحةً من القداسة عليه، بحيث أصبح شهيداً قتل لأجل قناعاته. يأتي المسلسل كي يميط اللثام عن الشخصية التي لا يعرف كثيرون عنها وعن حياتها بخلاف سجنها وكتبها وأفكارها التي خلفّت آلاف الضحايا، وليست «داعش» إلا آخر نتاجاتها. أدى محمد فهيم الدور بطريقةٍ يعجز عنها كبار النجوم. إلى جانب شبهه الكبير بقطب، أضاف فهيم إلى الشخصية الكثير من الحقيقية والواقعية. وعبر استخدام مشاهد المواجهة بين عبد الناصر وقطب، دفع مخرج المسلسل شريف البنداري بالشخصية أكثر إلى الأمام. لم يعرف كثيرون بأن الشخصيتين كانتا قريبتين في مرحلةٍ ما. أضف إلى ذلك أنَّ عبد الناصر (في المسلسل) ينادي سيد قطب بالأستاذ سيد، فيما يكتفي قطب بمناداته «جمال».

يستطيع السيناريست المزج بين اليومي - الشعبي، والسياسي- العام بسهولةٍ فائقةٍ

وحين انتهت العلاقة وتحوّلت إلى صراعٍ عنيف، صار يناديه بـ «سيادة الوزير». في الإطار عينه، تظهر شخصية جمال عبد الناصر في أبهى حلتها، إذ يؤدي النجم الأردني ياسر المصري دوره بإتقانٍ وبراعة، مضافاً إليهما الكثير من الماكياج حتى تأتي الشخصيتان متطابقتين. وقلما شاهدنا أحداً اقترب من شخصية ناصر بمقدار المصري، خصوصاً لناحية الصوت. مع العلم أنّ الراحل القدير أحمد زكي أدى الشخصية بإتقان في فيلم «ناصر 56» وخالد الصاوي في فيلم «جمال عبدالناصر»، وحتى مجدي كامل في مسلسل «ناصر». في الإطار عينه، تظهر شخصيات جانبية تمت تأديتها بنجاح مثل صابرين التي برعت في تجسيد زينب الغزالي، وكذلك عبد العزيز مخيون في دور حسن الهضيبي المرشد العام للإخوان المسلمين. ويحفل المسلسل بالعديد من الشخصيات التاريخية التي تظهر ربما للمرة الأولى على الشاشة. لذلك، شاهدنا العديد من النجوم الذين أطلوا بطريقة الـcameo الشهيرة؛ فظهر مثلاً عبدالرحمن أبو زهرة ونضال الشافعي، إياد نصّار، طارق عبدالعزيز، محمود عبدالمغني، شريف سلامة، أحمد بدير...
إخراجياً يحسب لشريف البنداري أنه استطاع تقديم المرحلة التاريخية بشكلٍ جيد، فلم نشهد أخطاء في «الراكورات» أو الديكور (كما نرى في الكثير من الأعلام التاريخية الحالية). أيضاً يحسب له أنه استطاع التعامل مع نجوم العمل الذين اقترب عددهم من المئة، وهذا ليس سهلاً. موسيقياً، بدا أن لمسة الموسيقار الكبير عمر خيرت ظاهرة في العمل. في المقابل، يظهر غياب للشخصيات النسائية (عدا شخصية زينب الغزالي)، مما يطرح تساؤلات كثيرة: هل كان الأمر مقصوداً لإضفاء مزيد من الضوء على الصراع بين عبد الناصر وقطب؟ أم أنه فعلاً لم تكن هناك شخصيات نسائية ظاهرة في تلك المرحلة بخلاف الغزالي؟
صنّاع العمل آثروا الصمت إزاء الأسئلة التي طرحت عبر وسائل التواصل الإجتماعي. من جهته، اعتبر جمهور الإخوان المسلسل اعتيادياً من حامد الذي «يكرههم»، فضلاً عن توقيت صناعته وعرضه (بما أنَّ قيادات الإخوان يقبعون اليوم في السجون) والنظام الحالي يعادي التنظيم بشراسة. لكنّ العمل تعرّض أيضاً لهجوم من الناصريين رغم أنّ شخصية عبد الناصر في العمل أعجبتهم كثيراً، إلاَّ أنه لم تعجبهم المساواة بين رئيس الجمهورية و«مجرد كاتب مثل سيد قطب». هذا بالتأكيد حال كل مسلسلات السيرة في بلادنا، إذ يقع صنّاع العمل ضحيةً لهذا النوع من الهجوم، وقلما يرضى أحدٌ عن رواية التاريخ عنه.

* 23:00 بتوقيت بيروت على قناة ON E
* 13:00: على «أبوظبي الأولى»