العدوان العربي على اليمن أو ما سمّي بـ «عاصفة الحزم»، الذي بدأ في 26 آذار (مارس) قبل عامين بقيادة السعودية، وفتك بآلاف اليمنيين، قتلاً وجوعاً، ومرضاً مع انتشار وباء الكوليرا (قضى على أكثر من 1100 يمني، جلّهم من الأطفال)، تواكب مع أضخم دعاية إعلامية معصرنة، روّجت للعدوان وسوّغت له، ولكل هذا الدم والقتل، على الأرض المنسية الفقيرة من العالم.
هذه الدعاية السياسية والعسكرية، كانت صفاً واحداً، وغرفة تحريرية موحدة، تخرّج مصطلحاتها، وتصنع صورة «نقية» للعدوان، من المنابر السعودية والإماراتية وصولاً الى تلك القطرية. لكن اليوم، بتنا نشهد مرحلة جديدة مختلفة، بدأت ملامحها تتضح بعد الأزمة الخليجية بين الرياض والدوحة، وتحديداً بعد تاريخ 5 حزيران (يونيو) الماضي، موعد إعلان قيادة «التحالف» إنهاء مشاركة قطر ضمن عملياته العسكرية، واتهامها بدعم «الميلشيات الانقلابية» في اليمن. بعد هذا التاريخ، دخلت «الجزيرة» في سياسة تحريرية انقلابية - إن صح التعبير- على كل ما روّجت له خلال عامين، عن العدوان على اليمن. حوصرت قطر اقتصادياً وسياسياً، فقررت فكّ «حصارها الإعلامي» على اليمن، وتعتيمها على الجرائم التي حصدت أرواح الآلاف من أبنائها.

كشف انتهاكات لحقوق
الأطفال والنساء تورط فيها سعوديون وإماراتيون

للمرة الأولى منذ ذاك العدوان، تنشر الشبكة القطرية (9 حزيران/ يونيو) خبراً عن «مقتل امرأة و3 أطفال من أسرة واحدة في غارة للتحالف على منزل جنوب صنعاء» على يد «قوات التحالف». خبر «بشّر» بتغيير جذري لأسلوب تعاطي «الجزيرة»، مع الملف اليمني. أصبحنا نسمع ونقرأ على منصاتها، خطاباً مغايراً، يتعاطف مع الضحايا، ويفضح جلاديها. بالطبع، هذا التغيير لم يأت من فراغ وليس حتماً استفاقة إنسانية، بل كان ضمن إفرازات الصراع القطري - السعودي، وفتح جبهة إعلامية جديدة لمحاربة كل من الإمارات والسعودية.
في نهاية الشهر الماضي، كان لافتاً ما نشره موقع «العربي الجديد» القطري، تحت عنوان «جرائم السعودية والإمارات في اليمن على الشاشات الأميركية». تقرير لأحمد أمين من واشنطن، يعيد فيه سرد ما فنّدته شبكة cnn الأميركية، في تحقيقها الميداني عن مجاعة أطفال اليمن. تقرير يضيء على الأوضاع الإنسانية الصعبة التي يعيشها هذا البلد «جراء التدّخل العسكري السعودي والإماراتي»، و«حملات القصف العشوائي»، التي يقودها محمد بن سلمان، وعلى صفقات الأسلحة التي بيعت للسعودية بمئات مليارات الدولارات خلال زيارة دونالد ترامب الى المملكة أخيراً.
الى جانب هذا التقرير، دأبت «الجزيرة» في الأيام الأخيرة الماضية، على فتح ملفات حسّاسة تتهم فيها السعودية والإمارات، بالتورط فيها. على سبيل المثال، بثت في 29 حزيران (يونيو)، تقريراً نقلاً عن مصادر أميركية، يعرض «سجلاً حافلاً من الانتهاكات» لحقوق الأطفال والنساء، من ضمنها تجنيد الأطفال والإتجار بالجنس، والعمالة القسرية، والتهريب والعبودية... ووفقاً لهذا التقرير، فإنّ كل هذه الانتهاكات تورط فيها سعوديون وإماراتيون، قاموا باستغلال «فتيات يمنيات ولاجئات من القرن الأفريقي» والمتاجرة بهن وفق ما سرّبت هذه المصادر.
وعلى المقلب البريطاني، الذي يوّرد السلاح إلى «التحالف» لقتل أهل اليمن، أجرت الشبكة القطرية، حواراً مع زعيم حزب «العمال البريطاني المعارض» جيرمي كوربن، يوم الجمعة الماضي، يطالب فيه دولته بمنع توريد السلاح إلى «الدول التي ترتكب انتهاكات في اليمن». ودعا إلى فتح تحقيق دولي حول ما نشرته كل من «أسوشيتيد برس»، و«منظمة هيومن رايتس ووتش»، أخيراً عن سجون سرية إماراتية، يجري فيها تعذيب معتقلين ومخطوفين. أخيراً وليس آخراً، روّجت «الجزيرة»، لتصريح رئيس مؤسسة «كارنيغي» للسلام وليام بيرنز، في برنامج «الحصاد»، حيث حذّر السعودية إلى ضرورة «عدم التمادي في سياستها كما فعلت في اليمن وتسبّبت في خسائر بشرية» على حدّ قوله.