الرباط | أب يعود إلى البيت سكيراً، يحاول اغتصاب ابنته مريم، يتدخل أخوها ذو الثمانية أعوام لحمايتها، يدفعه الأب بقوة، يصطدم رأسه بالطاولة فيموت. يهرب الأب، تحمّل الأم ابنتها مسؤولية ما وقع. في الوقت الذي تخرج فيه الابنة نهائياً من البيت وتلوذ بالجامعة، تخرج الأم أيضاً لكن باتجاه دار دعارة. تكتشف بطلة الرواية لاحقاً أنها ابنة غير شرعية جاءت إلى الوجود نتيجة علاقة حب جمعت أمها بشاعر مشهور مات هو الآخر. تلتقي مريم في الجامعة بعمر المناضل وتحبل منه بطفلة. يتعرض للاغتيال وتتضاعف آلام الفتاة.
هذه تقريباً أهم أحداث رواية «سأقذف بنفسي أمامك» للكاتبة الجزائرية ديهية لويز التي خطفها الموت قبل أيام وهي في عز الشباب (32 عاماً) في مدينة بجاية مسقط رأسها. وكانت الراحلة تعاني من السرطان لأكثر من سنة بصمت، ودون شكوى، حتى إنّ الكثير ممن عرفوها لم يكونوا يعرفون بحكاية مرضها. وقد أبانت منذ روايتها الأولى عن موهبة كبيرة في الكتابة، أشاد بها النقاد والمهتمون كثيراً. غير أن عمرها القصير لم يسعفها في إيصال صوتها الجريء خارج الجزائر. اسمها الحقيقي لويزة أوزلاق، واختارت أن تحمل الاسم الأدبي الذي عُرفت به في تقاطع مع اسم الملكة الأمازيغية ديهية الأوراسية التي حكمت شمال افريقيا وكانت تسمى «الداهية البربرية».

أعدّت شهادة مطولة عن تجربتها مع المرض قد تصدر في كتاب
في بداية شبابها، وصلت ديهية لويز إلى أرض الكتابة عن طريق الشعر، لكنّها سرعان ما غيرت الوجهة نحو السّرد، مركزة في ما تكتبه على تشعبات الحياة الجزائرية الراهنة، وما تعانيه المرأة من أشكال الحصار والاضطهاد داخل المجتمعات الذكورية.
كانت الراحلة تكتب بثلاث لغات: العربية، الفرنسية والأمازيغية، وقد حازت العام الماضي جائزة محمد ديب للرواية الامازيغية. عملها الأول «جسد يسكنني» الصادر سنة 2012، كان نصاً روائياً يتقاطع مع أدب المذكرات، وتحضر فيه تيمة الزواج المبكر والزوج المفروض على الفتاة القروية، إضافة إلى قضايا اجتماعية أخرى كالإرث والانتحار.
لم يكن الموت موضوعاً أثيراً في كتاباتها فحسب، بل كان أيضاً حاضراً في تدويناتها الأخيرة على الفايسبوك، فقد كانت تعرف أن الموت يدنو شيئاً فشيئاً من بابها. وقد عُلم من أصدقائها المقربين أنها أعدّت شهادة مطولة عن تجربتها مع المرض قد تصدر قريباً في كتاب.
قبل رحيلها بأيام قليلة، كتبت على صفحتها بيتين لعمر الخيام كانا بمثابة التلويحة الأخيرة:
أحسُّ في نفسي دبيب الفناء... ولم أصَب في العيشِ إلّا الشقاء
يا حسرتا إن حانَ حيني ولم... يُتحْ لفكري حلّ لُغز القضاء
من مسودة روايتها «إيروتومانيا» التي بدأت كتابتها العام الماضي ورحلت من دون أن تنهيها، نقرأ المقطع التالي: «ليس هناك أعقد من الإنسان كمخلوق، وليس هناك أعقد من هذه الحياة لمحاولة تفسيرها أو التأقلم معها. ما إن نبدأ في الاستمتاع بشيء حتى يأتي ما ينغص كل شيء ويفقده الطعم، وغالباً ما يكون هذا الشيء خارجاً عن السيطرة مثل المرض أو الموت. هذا الأخير ليس بمشكلة في حد ذاته، فالموت لا يوجع الموتى، لكن الموت بنار المرض، بعد أن تنحصر حياتك في كومة جسد مهترئ لا ينتظر سوى أن تخرج الروح منه ليرتاح. كم هو مهين أن تموت من جراء خلايا صغيرة خبيثة تنشأ من جسدك لتقتلك في النهاية مثلما يفعل السرطان أو الأمراض الأخرى. عبثية هي الحياة، والإنسان فيها ما هو سوى لعبة صغيرة تتسلى به كما تشاء حين تشاء».