لم يعد خافياً على أحد حجم التهاوي الذي وصلت إليه الدراما السورية. رغم الأخبار المتواردة عن اجتماعات رسمية عقدت قبل فترة في مقرّ «المؤسسة العامة للإذاعة والتلفزيون» في دمشق، بحضور مجموعة من صناع الدراما ووزير الإعلام السوري، للتباحث في إيجاد حلول تخرج هذه الصناعة من مأزقها، إلا أنّ شيئاً لم يتحقق على أرض الواقع.
اللافت هو مساهمة نقابة الفنانين السوريين في دفع الدراما إلى مكان لا تحسد عليه. بعد
ملاحقة تصريحات الممثلين السوريين وصفحاتهم على السوشال ميديا، وفصل مجموعة من أشهر نجوم بلده، ثم إحالتهم على مجلس تأديبي، وقف نقيب الفنانين زهير رمضان (الصورة) عقبة في وجه عودة الممثل المعروف قيس الشيخ نجيب إلى الشام. وبالتالي، اضطر نجم «ليالي الصالحية» لتقديم اعتذاره عن عدم المشاركة في مسلسل «قناديل العشاق» (خلدون قتلان وسيف السبيعي ــ إنتاج «سما الفن»). ثم عرقل النقيب لفترة طويلة دخول الممثلة والمغنية اللبنانية سيرين عبد النور إلى سوريا، ولم يفضّ النزاع إلا بعد خطاب رسمي من نقابة الممثلين اللبنانية، وخروج رمضان من القصة، فشاركت سيرين في المسلسل المذكور.
هكذا، وضع رمضان حائطاً شبه مسدود في وجه عودة غالبية الممثلين الذين غادروا سوريا، حتى من لم يتطرق في تصريحاته إلى القضايا السياسية، رغم أن المرحلة الآنية تمنح فيها الأولوية للمصالحات والتسويات في مختلف أنحاء الجغرافيا السورية.
على طرف آخر، تفرض نقابة الفنانين في سوريا دفع ضرائب كبيرة على المخرجين والممثلين السوريين غير المنتسبين إليها، وتتباهى على لسان نقيبها في لقاءاته التلفزيونية بما يجنيه صندوق النقابة، رغم الغلاء القاتل الذي تعانيه دمشق، وعدم تناسب الأجور مع فرق العملة الحاصل نتيجة تراجع سعر صرف الليرة السورية بسبب الحرب. علماً بأن النقابة مسؤولة عن دعم أعضائها لا التضييق عليهم. وتماشياً مع نظام النقابة الداخلي، قرر «أبو جودت» (نسبة إلى دوره في «باب الحارة») أخيراً فرض ضريبة بنسبة 3 في المئة على أجر ممثلي الدوبلاج وفنييه (مشرف، مهندس صوت، فني مونتاج، مكساج...) رغم أنهم يتقاضون فتاتاً على شغلهم، لا يتعدى دولارين أميركيين على دوبلاج المشهد الواحد، بعد جهود حثيثة من ممثلي الدوبلاج على رأسهم إياس أبو غزالة لرفع أجر الممثل من 200 ليرة سورية (أقل من ربع دولار أميركي) إلى 1000 ليرة (ما يعادل دولارين).
قرار النقيب أثار حفيظة المعنيين بالموضوع، فشنّ بعضهم حملة على السوشال ميديا تنتقد سياسة رمضان وتضييقه على جميع الممثلين. فما كان من «مختار البيسة» (نسبة لدوره في «ضيعة ضايعة») سوى التصريح بأن انتقاداتهم «دونية وقليلة أدب ولا أخلاقية». وتابع أنّه ينفذ بنود نظام النقابة الداخلي، كما هدّد بـ «ملاحقة المنتقدين على الفايسبوك ومنعهم من العمل، بل زجّهم في السجن أيضاً».
ما سبق يوحي بتمسّك رمضان بنظام النقابة الداخلي، لكنّ أسلوب عمله يأتي وفق منطق جلّاد يحتمي بحصانته كونه أحد أعضاء مجلس الشعب السوري. وفي واقع الحال، يبدو أن النقيب يبحث بالسراج والفتيلة عن القوانين التي تحيل نقابته إلى «كوّة جباية» تفرض ما يشبه «أتاوى» ترهق حال المنتسبين إليها، فيما يأخذ عليه المنتقدون أنّه يمنح الإذن بالعمل لمخرجين لا يحملون الحد الأدنى من التحصيل العلمي، بل تنطبق عليهم صفة «دخلاء» على الصناعة. كما يأخذون عليه أنّه يشجّع الأعمال الهابطة عبر لعبه دوراً رئيساً فيها مثل مسلسل «بناتي حياتي» (أنجز العام الماضي وأعيد عرضه هذا الموسم ــ كتابة وإخراج فادي غازي). و«جنان نسوان» للمخرج ذاته