وسط زحمة حفلات الصيف الموسيقية، يأتي مهرجان «ليبان جاز»، الذي لا يتوقف عن استقطاب الفنانين من أنحاء العالم على مدار السنة، بعازف البيانو والمؤلف الكوبي روبرتو فونسيكا (1975). سيحلّ الأخير ضيفاً على «ميوزكهول» (الواجهة البحرية) الليلة بصحبة فرقته الموسيقية.
لم يكن دخول فونسيكا الموسيقى من باب المصادفة أو خياراً أتى في مرحلة ناضجة من حياته. منذ سنواته الأولى، عاش في منزل يحيا من أجل الموسيقى. والده عازف درامز ووالدته مغنية محترفة، ترافقه أحياناً في أعماله. كما أن أخويه إميليو فالديس وخيسوس فالديس جونيور الملقب بـ «تشوتشيتو» موسيقييان كذلك.
الأجواء المؤاتية تلك جعلت الفنان الذي ولد في هافانا عام 1975 يتجّه نحو آلة الدرامز بدءاً، لينتقل بعدها إلى البيانو الكلاسيكي ومن ثم الجاز، وقد تخرّج حاملاً شهادة في التأليف الموسيقي من معهد الفنون العالي في العاصمة الكوبية. قبل إظهار ميول نحو الجاز، كان فونسيكا قد تلقّى أسس الموسيقى والعزف الكلاسيكيين، ما سمح له لاحقاً باستخدام الريبرتوار الكلاسيكي للتمرس في تقنيات العزف والارتجال.

ألبومه الأول كان بعنوان «إن إل كوميانزو» مع خافيير زالبا وفرقة «تامبيرامنتو» عام 1998. عنه حاز جائزة أفضل ألبوم جاز في كوبا. وانطلق منفرداً بعدئذٍ مصدراً عدداً من الألبومات. بدأت شهرة فونسيكا تكبر عام 2012، عندما رُشح ألبومه «يو» لجائزة غرامي، فتعرّف العالم إليه وراحت أحلامه تكبر. في أعماله رغبة دائمة للمزج بين الجاز اللاتيني وأنماط موسيقية أخرى. لفونسيكا 9 ألبومات، فضلاً عن تعاونه مع فنانين آخرين. ولعلّ أبرز محطة تعاون كانت لدى انضمامه إلى فرقة «بوينا فيستا سوشال كلوب» عام 2011 بعد وفاة عازف البيانو روبن غونزاليس. وكان الموسيقي الكوبي ابراهيم فرير (غادرنا عام 2005) من دعا فونسيكا للانضمام الى الفرقة، وأوكل له مهمة التوزيع والإدارة الفنية في الفرقة العريقة لاحقاً. وقد سمحت له هذه التجربة بالتعمق أكثر في مجال الموسيقى الكوبية بفضل احتكاكه بفنانين كوبيين كبار من الجيل القديم.

ينتقل بين أكثر الألحان بطئاً وتعبيراً إلى أكثرها مهارة وسرعة

رغم تأثره بأنماط موسيقية مختلفة، يحرص فونسيكا دائماً على العودة إلى جذوره الكوبية بما في ذلك من ألحان وإيقاعات، مضفياً إليها نفساً جديداً ومدخلاً إليها تلك التأثيرات المختلفة، خصوصاً الافريقية منها. مثلاً، آخر ألبوماته ABUC، (العنوان قد لا يعني شيئاً للوهلة الأولى، لكن إذا قلبنا الأحرف نحصل على كلمة «كوبا») أشبه برحلة لاكتشاف كوبا وإرثها بعين متجددة وشابة، مطبوعة بنوع من الفيوجن الذي لطالما ميّز موسيقاه عن الفن الكوبي التقليدي. فهو أكّد مراراً في عدد من المقابلات أنه يرى نفسه راوياً، يخبر القصص عبر موسيقاه ويشارك بها الناس.
عازف بيانو متمرّس، ينتقل بين أكثر الألحان بطئاً وتعبيراً الى أكثرها مهارة وسرعة. عندما تقودنا أنامله على لمسات البيانو الى ألحان كوبا وإيقاعاتها، جسده كله أيضاً يتمايل معها كأنه يستخدم كل جزء منه لإيصال جمله وأفكاره الموسيقية. وهو قال مرّة أن البيانو امتداد لجسده. انطلاقاً من تأثيراته الكاريبية التي رافقته طوال حياته، وإضافة الى تعلّقه بالجاز الذي تعرّف إليه من خلال أخويه، يعبر فونسيكا حدود بلاده ليصل بنا الى القارة الافريقية وإيقاعاتها. عموماً، الموسيقى التي يقدّمها سهلة الإصغاء وممتعة، من دون أن يعني ذلك ميلها الى السطحية أو الخفة. البراعة في العزف ليست من أولوياته في الألبومات التي يقدّمها، على عكس أدائه على المسرح، إذ يرّكز في مساره الموسيقي أكثر على نشر الثقافة الكوبية وتعريفها بأسلوبه الى العالم. أما صوته، فيأتي ليدعم الموسيقى وقد يستخدمه لأداء نوطة واحدة ممدّدة أثناء عزفه.

روبرتو فونسيكا: 21:00 مساء اليوم ــ «ميوزكهول» (الواجهة البحرية) ــ 01/361236