تقلّب جان مورو الوقت الثقيل بين محلات باريس المشعّة التي لا مكان لها فيها. بالأبيض والأسود، تنساب الصورة برفق وتوتّر، بصحبة ترومبيت مايلز ديفيس، وحضور مورو أمام كاميرا لوي مال في فيلمه «مصعد كهربائي نحو المشنقة».
أما وجه مورو وأداؤها القلق والهائم الذي لا يسلّم نفسه بسهولة إلى المتفرج، فلا يلحق بهما وبتقلباتهما، إلا آلة بحجم ترومبيت مايلز ديفيس. لعلّه أحد أهم خيارات المخرج الفرنسي الراحل أن يزيح عنه مسؤولية وجه مورو. يبني لوي مال قصته في فرنسا الحديثة. إنها قصّة حب ليس فيها ركن للقاء واحد بين الحبيبين (مورو وموريس رونيه) سوى على الهاتف أو في صورة فوتوغرافية ستكشف الجريمة في النهاية. من بين ما سعت إليه عدسات مخرجي الموجة الفرنسية الجديدة مثل فرنسوا تروفو وكلود شابرول وجاك ديمي وغودار وغيرهم، كان العثور على ممثلين يضاهون أفكارهم وأفلامهم وأساليبهم التجديدية. مورو الآتية من خلفية مسرحية، هي واحدة من هؤلاء الممثلين والممثلات إلى جانب جان كلود بريالي، وجان بول بيلموندو... قد لا تحب مورو الحكي عن النوستالجيا إلى تلك المرحلة، وقد وصفته بأنه شبيه بالموت. لكن شخصية مورو فاضت عنها، مشكّلة نموذجاً لامرأة الموجة الفرنسية الجديدة، التي كان أول ما فعلته هو الانقضاض على صورة المرأة التي كانت لا تزال ضحلة وناقصة في السينما حتى ذلك الوقت. صورة هيأ لها مال في «العشاق» الذي اعتبر قصيدة موجّهة إلى مورو نفسها. منح مال بطلته (مورو) الخيار. تقرّر الزوجة والأم التخلي عن حياتها الرتيبة وعن ابنتها وزوجها البرجوازي، مطلقة رغباتها الحسية والجنسية تحديداً مع شاب غريب. بلغت هذه الصورة أوجها مع رائعة تروفو «جول وجيم» (1962) التي لم تكن رقابة الكنيسة الكاثوليكية تتحضّر لرؤية شيء من قبيله، فمنعت الفيلم. سيبقى أداء مورو لدور كاترين أحد أكثر الأدوار الخالدة في السينما. يتّفق النقاد على أن الشريط صنع على مقاسها، وهذا ما أكّده تروفو مراراً. كاترين، تلك الشابّة المتقلبة، والمتطرفة والمترنحة بين الشابين جول وجيم، وفي لهاثها خلف اللهو لم يكن لها أن تصبح حقيقية أو محبوبة لولا مورو نفسها. وفي حين كان المسرح فسحة للهرب من الفقر في بداياتها، فإن مشاهدتها لنسخة أنتيغون للفرنسي جان أنويه، شكّلت صدمة لها. أتاحت المسرحية لمورو المراهقة أن تتعرّف إلى نوع جديد من النساء. لقد شاهدت المرأة تثور للمرّة الأولى، ومنذ ذلك الوقت قررت أن تتبنى ثورة أنتيغون. يعني «أن أحارب السلطة، وألا أخاف الوقت والعمر أبداً». أولت اهتماماً بالمخرجين أكثر من اهتمامها بأفلامهم. لذلك ربما تحمّلت دوراً مرهقاً كليديا في «الليل» (1961) لميكلانجلو أنطونيوني، وهي تتوه في شوارع ميلانو بحثاً عن شيء أو هرباً منه. مع تروفو مجدداً، انتقمت في «العروس كانت ترتدي الأسود» (1967) من الكنيسة الكاثوليكية وتشددها مع المرأة، وقد كانت السبب وراء الإنهيار العصبي الذي يصيب جولي/ مورو، ويدفعها إلى قتل مجموعة من الرجال، بعد مقتل زوجها خلال العرس. بعد «جول وجيم»، منحها جاك ديمي بطولة فيلم «خليج الملائكة» (1963). المرأة التي تضع حياتها بيد آلة القمار، بإدمانها على اللعب وتخليها عن مسؤولية الأمومة وثقل الإلتزام بعلاقة عاطفية على السواء. إلى جانب غيرها من ممثلات جيلها الفرنسيات ككاترين دونوف، شكّلت مورو نموذجاً لامرأة ترفض معايير البرجوازية وتذهب لملاقاة متعها الحسية وحياتها بعيداً عن أي تصنيف مسبق. الأمر أكثر فطرية وخفوتاً من صيحات الحركات النسوية التي حادت عنها مورو طوال حياتها.