بدم بارد، كان سام شيبارد (1964 ــ 2017) يقتطع الأحلام من درب أبطاله، ولا يتردد في طرد المستقبل بركلة دامية يوجّهها زوج إلى زوجته. حواراته السيّالة، التي تخرج ثخينة وأصيلة كأصوات الكاوبويز، ستبقى شديدة الوقع على المسرح الأميركي.قبل أيام، رحل الكاتب المسرحي والممثل الأميركي، الذي كان واحداً ممّن واجهوا حلم البلاد مثل آرثر ميلر، وتينيسي ويليامز، وإدوارد ألبي.
يمكن تخيّل أميركا مطلع الستينيات بالنسبة إلى مراهق هارب من الزراعة في كاليفورنيا رأساً إلى نيويورك. يعمل كنادل، وفي الوقت المتبقي كمتسكّع في شوارع المدينة.

تجاوز شيبارد مسارح «برودواي» أم أنها تجاوزته؟ لا همّ، لأنه وجد صوته أخيراً مع حركة Off-Off-Broadway التجريبية، وقد جاءت كردة فعل على المسرح التجاري والجماهيري لـ «برودواي» في ذلك الوقت. لم يستطع شيبارد التغاضي عن التاريخ الأميركي المثقل بالحرب العالمية الثانية، التي قاتل فيها والده، وحرب الفيتنام، ولا اتسع رأسه للتفاؤل الساذج يوماً.
هكذا كتب أكثر من 40 مسرحية (إلى جانب قصص قصيرة وقصائد) تبدو تنويعاً على التخريب والعبث بالمثل الأميركية العليا، ومؤسسات العائلة والدين والوطن. في «فم الكاوبوي»، و«انتحار في الشقة ب»، و«سن الجريمة» و«ألسن»، تنهال الأحداث على أبطاله في بيوتهم وغرفهم بمرح مُرّ. محاولات حصر مهمته، سترسو على كتابته عن العطب الذي منه تولد الأسرة، أي أسرة، محاولاً تفكيكها بوصفها أحد كيتشات الحلم الأميركي.

احتفظ بالمناخات الأميركية
كعنصر متأصل، مثقلاً
مساحاتها الواسعة
بالقنوط والخيبة
رغم أنّ العلاقات العائلية المشحونة لا تكاد تغيب أعماله، إلا أنه كرّس لها ثلاثية كاملة هي: «لعنة الطبقة الجائعة» (1976)، و«الطفل المدفون» (1979)، و«الغرب الحقيقي» (1980). حافظ الرجل في حواراته على إيقاع خفي بفضل انغماسه الموسيقي، أكان عبر كتابته لبعض الأغنيات مثل Brownsville Girl لبوب ديلان، أم كعازف على الدرامز مع فرقة روك في الثمانينيات. لم يفوّت مثالاً أعلى أو قيمة متوارثة ولا مستقبلاً من دون التنكيل بها، مع استعداده الدائم لمقايضة أحلام الأبطال الفردية بأي شيء رخيص؛ بساق خشبية، أو بزجاجة ويسكي وبرحلة أبدية إلى الصحراء. احتفظ شيبارد بالمناخات الأميركية كعنصر متأصل، مثقلاً مساحاتها الواسعة بالقنوط والخيبة. أنتيغون وأوديب وأبطال مسرحيات سوفوكل، يتحولون إلى لاعبي «أميريكان فوتبول»، أو سارقين في أميركا الحديثة. بلغته وأفكاره الطليعية، لجأ إلى السوريالية والترميز لصقل استعاراته عن المجتمع بأكمله، تحديداً في «الطفل المدفون» التي نال عنها جائزة «بولتيزر للدراما» في عام 1979. في العمل، يكشف المطر المنهمر مآزق العائلة، ضمن أجواء مشبعة بتأثيرات المسرح الإغريقي. كل يملك علّته: الأب السكير، والأم المتدينة، والولدان، واحد تائه وآخر أعرج، والجثة المدفونة في الحديقة الخلفية للبيت. تلتبس الهوية في مسرحياته؛ الهوية الجينية والفردية، والهوية الوطنية الأشمل. يجري ذلك على مسرح عنيف تصاعدي، كما في «الغرب الحقيقي» التي تتداخل فيها شخصيتا الشقيقين أوستن ولي، اللذان لم يتخلصا من والديهما بعد. العلاقات الزوجية والغرامية، تقودها الشكوك في «كذبة العقل» (1985) التي تبدأ بمشهد ضرب مبرح بين الزوجين، فيما يرمي العاشقان ماي وإيدي في نزل رخيص وسط الصحراء، في أجواء تجريدية تعري علاقتهما المستحيلة في Fool For Love سنة 1983. بعد عامين على كتابتها، أخرج السينمائي الأميركي روبرت ألتمان المسرحية وأدى فيها شيبارد دور البطولة. على الشاشة الكبيرة، رأيناه مجدداً من خلال كتابة السيناريو لأفلام مثل Zabriskie Point لميكلانجلو أنطونيويني عام 1970، و«باريس، تكساس» (1984) لفيم فندرز. كما أدى أكثر من 50 دوراً في السينما أبرزها مشاركته في فيلم تيرينس ماليك «أيام الجنة»، وفي فيلم The Right Stuff لفيليب كوفمان. دور رشَّح شيبارد إلى جائزة «أوسكار» أفضل ممثل ثان.