بغداد | ما لاقاه أخيراً تمثال أبو نواس (الصورة) في الشارع الذي يحمل اسم الشاعر العباسيّ نفسه من إهمال واضح، حفّز على إطلاق شائعات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تفيد بوجود مساعٍ لرفعه. لكنّ هناك من أكّد أنّ ما جرى ما هو إلا «تأخّر وتقصير» في عملية الترميم التي بدأت فعلياً أوّل من أمس. منذ أيّام، تتصاعد المناشدات والاحتجاجات على حال التمثال الذي رُفع الحجر الذي كان يحيط بقاعدته قبل مدّة لضرورات الترميم، وتُرك مشوّهاً تحيط به النفايات، كأنّه ليس عنواناً من عناوين الجمال في الذاكرة العراقيّة.
ولأنّ النصب والتماثيل من مسؤولية أمانة بغداد، حاولت «الأخبار» الاتصال بمكتب أمين العاصمة المهندسة ذكرى علوش، لكن من دون جدوى، رغم حرص فريقها الإعلامي على إظهار المسؤولة الجديدة التي تسلّمت مهماتها قبل أشهرعلى أنّها مهتمّة بكلّ صغيرة وكبيرة في العاصمة. غير أنّ موضوع أبو نواس اختبار حقيقي لعلوش إذا كانت تريد أن تحقّق نقلة في العمل. وما حدث كان يتطلّب إصدار توضيح رسميّ سريع من مكتبها، يرد على ما دار من شائعات، وليس بعدها بأيّام حين نفت (على لسان مدير العلاقات) صحة الأنباء الواردة، قائلة: «لا تنصاعوا لحملات الفايسبوك»، مع الإشارة إلى أنّ هناك من أكّد وجود «تنازع صلاحيات بين الأمانة ووزارة الثقافة بشأن تأهيل النصب والتماثيل»، أسهم هو الآخر في عملية التأخير.

والمعروف أنّ هذا التمثال هو من أعمال النحات العراقي إسماعيل فتاح الترك (1934 ــ 2004)، الملقب بـ«نحّات الشعراء»، وكان هذا التمثال أحد دلائل حضوره الفاعل في مشهد التشكيل العراقي منذ ستينيات القرن الماضي. وقد أنجزه بعد إتمام دراسته في «أكاديمية الفنون» في روما، وحصوله على دبلوم عالٍ في النحت. في عمله الذي وضعه في حدائق شارع أبي نواس، يجلس أبو نواس حاملاً كأسه، مؤكّداً ارتباط صورة الشاعر وخمرياته المعروفة بترف المكان الذي وضع فيه، حيث حدائق العشّاق والمطاعم والنوادي الليليّة وماء نهر دجلة. وإلى جواره جدارية تحمل بعضاً من أبياته منها: «يا سائل الله فزت بالظَّفر... وبالنَّوال الهنيِّ لا الكدرِ/ فارغب إلى الله لا إلى جسد... متنقل من صباً إلى كبرِ/ إنَّ الَّذي لا يخيب سائله... جوهره غير جوهر البشرِ/ ما لك بالتُّرَّهات منشغلاً ... أفي يديك الأمان من سقرِ؟...». شائعة مثل هذه، شجّعت أيضاً على انتشار تعليقات مؤثرة على السوشال ميديا، تجد فيها ذلك التندّر المتوقّع إزاء الوضع العام. ولعلّ أبرز التعليقات هو ما كتب الشاعر والناقد جمال جاسم أمين على صفحته الفايسبوكية: «ما الذي جناه أبو نواس؟ اشترك في حملة بيع الأسلحة للإرهاب وتستّر على سقوط الموصل؟ هرّب السجناء من «أبو غريب» لتعزيز صفوف القتلة مقابل إعادة طبع ديوانه؟! سرق الميزانية وأعلن التقشّف؟ منح هويّة نقابة الصحافيين للسواق وعمال المطاعم؟ أقام مهرجانات ثقافة لأغراض تجاريّة؟ شوّه المناهج الدراسيّة بحجة تغييرها؟ سرّب أسئلة البكالوريا؟ اشترك مع مافيات التلاعب بالعملة وتصعيد الدولار؟ هجّر الايزيديين من ديارهم؟ استولى على عقار بطريقة وضع اليد؟ حوْسَمَ يعني؟ طلب رتبة دمج تصل إلى فريق ركن أو من دون ركن؟ ما الذي جناه لتهدّموا تمثاله؟ لم يكلفكم حتّى مظلّة تحميه من رصاصكم الطائش، لم يطلبها خوف أن تحرمه من المطر! ظلّ عرضة للموت حفاظاً على صداقته مع المطر!».