في منتصف التسعينيات، وإبان المرحلة الذهبية لقناة «المستقبل»، شكل الشيف رمزي الشويري (الصورة)، ظاهرة ما زالت راسخة في تاريخ التلفزيون اللبناني. لدى دخوله مطبخ البرنامج الصباحي الشهير «عالم الصباح» عام 1994، تمكّن الشيف الذي يتمتع ببنية جسدية ضخمة، وبوجه قلما يبتسم، من تحقيق جماهيرية عالية، وتكريس فقرات الطبخ ضمن المتابعات الجدية اليومية للمشاهدين. هذا قبل أن تتسرب موضة الرشاقة، ووصفات «الدايت» للسيدات وللطهاة أيضاً وندخل في عصر جديد قلب كل المعايير. قبل غزو منصات الإعلام الجديد والتفاعلي، أدخل الشيف ــــ الذي أصبح لأكثر من 11 عاماً من أشهر الشخصيات التلفزيونية ـــ النفس التفاعلي على فقرة الطبخ، عبر فتح باب الاتصالات المباشرة بينه وبين ربّات البيوت، لأخذ النصائح أو لسؤاله عن مقادير وتفاصيل الوصفات.

أكثر من ثلاث آلاف حلقة تلفزيونية سجّلها الشيف رمزي، قبل بروز المدّونات الشخصية، والعامة، وأطلق مدير «المدرسة الفندقية» (الكفاءات)، موضة كتب الطبخ. في عام 1998 أي بعد أربع سنوات من عمله في القناة الزرقاء، طرح الشيف رمزي كتاباً باسمه وحقق وقتها أرقاماً خيالية في البيع، لينشر بعد أربع سنوات كتاباً آخر «الشيف رمزي من تراث لبنان» هو حصيلة ما جمعه من وصفات تراثية خلال تجواله في القرى اللبنانية لأكثر من عامين.
بعد ذلك، توجه الشويري الى إطلاق مجلة تخصصية شهرية باسمه أيضاً، وسجل في الأسواق اللبنانية، مجموعة وجبات جاهزة بعدما دخلنا في عصر السرعة وتراكم الأعمال اليومية للناس، وحاجتهم للاستحصال على وجبات جاهزة لا تتطلب منهم سوى بضع دقائق من الوقت قبيل تناولها ساخنة.
والى حين انطفاء نجم الشيف الأشهر في لبنان، مع بداية بروز الأزمات المالية لـ «المستقبل»، وصعود منصات التواصل الاجتماعي في الأعوام الأخيرة، اختفى الشيف الذي ظل طويلاً على شفاه كل سيدة منزل، ليحلّ مكانه الشيف شادي زيتونة، النسخة المتناقضة تماماً للشويري. زيتونة يتمتع بقوام رشيق، ويمتاز بحركة سريعة في الكلام والتحضير، حتى إننا نحتاج الى خاصية slow motion، كي نلتقط منه تفاصيل الوصفة، وهو متفاعل مع المشاهد الى حدّ كبير. هكذا، جاءت مرحلة ما بعد التسعينيات، لتقصي الأشكال البدينة، وتفرض على السوق التلفزيوني، معايير مختلفة عن الرشاقة والجمال، حتى في عالم المطبخ... ذلك العالم حيث غالباً ما استساغت العين مشاهدة طاه أو طاهية ممتلئة الجسم. بات الشيف ريشار الخوري الذي يقدم برنامج «ولا أطيب» على «الجديد»، وحيداً بين باقي الطهاة الذين يتمتعون ببدانة لافتة، ويظهرون على الشاشة الصغيرة.
إذاً، بين الشويري وزيتوني، مرحلة زمنية، لعبت بها عوامل الزمن والتطور التكنولوجي ومعايير السوق. بعد مرحلة الاتصالات الهاتفية على الهواء، بات الشيف زيتوني وغيره يقرأون مداخلات وتعليقات المتابعين من على صفحات الفايسبوك، وينشرون هناك أيضاً وصفاتهم ويتفاعلون مع هؤلاء، من دون الحاجة الى خروج كل هذه العملية على الهواء. وليس غريباً، أننا شهدنا في رمضان الماضي، برنامج طبخ على إحدى المحطات التلفزيونية، تظهر فيه معدّة الوصفات، امرأة بكامل أناقتها ورموشها المصطنعة وأظافرها المطلية. «طباخة» تجهد في صناعة الحلوى الشرقية بطريقة منقمة وبقياسات متساوية، في تركيز على الحفاظ على شكل الحلوى أكثر من مذاقها!