دمشق | يتشعّب الحديث مع الممثل السوري علاء قاسم (1970)، ويطأ مكامن معتمة ومجهولة بالنسبة إلى الناس، خاصة في ما يتعلّق بالخطوات التراكمية لأي ممثل، وإمكانية أن تكون كافية لصناعة شهرة طائلة له. ثم نقف عند العطب الذي أصاب الصناعة السورية الأبرز كنتيجة متوقعة للحرب على الشام. «خرّيج المعهد العالي للفنون المسرحية» دأب بصبر «صيّاد» محنّك، على اقتناص فرصه.
كان مهتماً بجوهر مهنته، دوناً عن الشهرة الطائلة، أو الثروة والعلاقات التي يطمح إليها الآخرون. يعتبر بأن دهاليز عديدة ليست صحيّة يجيد السير فيها كثيرون، غالباً تودي إلى المجد، لكنه لم يعرف إطلاقاً الطرق المؤدية إلى تلك الدهاليز، ولم يرد في حياته أن يكون «مطبّلاً» في فرقة أصحاب القرارات الإنتاجية، حتى ينال الرضى ومن ثم تنهال عليه الفرص. يتمتّع بكاريزما، وحضور، ووسامة، ربما لا تقل عن أهم نجوم بلاده، إضافة إلى موهبته ودراسته الأكاديمية.
كل تلك المفردات تصنع نجوم الصفوف الأولى، لكنّه حتى الآن لا يصنف من أولئك. نسأله عن السبب، فيحلنا على الفور إلى أسماء سورية مكرّسة على رأسها الراحل خالد تاجا والنجمان عباس النوري وبسّام كوسا الذين لم يصنعوا شهرتهم الطائلة، إلا بعد سنوات طويلة من الشغل. الأمر وفقاً لنجم «الدراما الشامية» مرتبط بالظرف والفرص والحظوظ، إضافة إلى تفاصيل أخرى يصعب المجاهرة بها. نذكر له على سبيل تحفيز الذاكرة بأن الشاعر الأميركي أرتشي راندولف آمونز سأل مرّة عن الصورة الشعرية الأقوى في حياته، فقال: «حين توفي أخي الذي يصغرني بعامين ونصف العام، ولم يكن عمره قد تجاوز السنة ونصف السنة... وجدت أمي بعد أيام قليلة من موته آثار قدميه في الباحة، وحاولت بناء شيء حولها لتقيها هبوب الريح». فهل يجد معادلاً موضوعياً في حياته لأكثر لحظة أحس بها أنه ممثل قبل أن يحترف مهنته. يجيب بعد صمت طويل: «حدث ذلك عندما كنت طالباً في المرحلة الابتدائية.

يجسد دور جهاد الممزق بين
حبه لوطنه، ورغبته
في الهجرة غير الشرعية
كان همي الوحيد كيف أتمكّن من الهرب أو الغياب عن المدرسة. استطعت مرّة إقناع مدرستي كاملة بأن تغيب. يومها وصلت باكراً ثم وضعت عيدان الكبريت في القفل، وعندما وصل المستخدم، لم يتمكن من فتح الباب، فذهب ليبحث عن حل. ولدى وصول أول دفعة من الطلاب، قلت لهم بأن المدير مات، وستعطّل المدرسة لأن جميع الأساتذة ذهبوا للمشاركة في الجنازة والعزاء! وما هي إلا دقائق حتى انتشر الخبر كالنار في الهشيم، وأقفلت المدرسة أبوابها فعلاً، لأنه لم يداوم أي طالب في ذلك اليوم!». أما في حياته المهنية، فيحكي باستفاضة عن دوره في مسلسل تاريخي سوري لم يعرض اسمه «مواكب الإباء» (إخراج باسل الخطيب) لعب حينها دور يزيد بن معاوية. أغرته الشخصية وبحث في مراجع تاريخية عديدة «أجبرت على الغوص عميقاً، والتدقيق في قوة الرجل وجبروته وطريقة إدارته للملك، وكيف مثلاً على ذمة بعض الرواة أجبر مشايخ دمشق أن يصلّوا على قرده المحبب عندما مات، بعدما غسّل وكفّن وصلي عليه في الجامع الأموي».
يمكن الجزم بأن «أبو بحر» كما يلقبّه أصدقاؤه، لم يأخذ فرصته الحقيقية حتى الآن. من تابعه على خشبة المسرح خاصة في عرض «راجعين» (إخراج أيمن زيدان عن نصّ «الشهداء يعودون هذا الأسبوع» للجزائري الطاهر وطّار) يلمس عن قرب الطاقة الخلاقة والموهبة التي يتمتع بها. كذلك، يلمس ذلك كل من يدقق في آخر إنجازاته في «الفن السابع» من خلال شخصية الضابط المختلفة عما نعرفه من مواصفات صارمة. إذ يجيرّ مشاهده نحو شخصية تتميّز بحساسيتها المفرطة وطيبتها العالية، رغم طبيعة عملها القاسية. كان ذلك في فيلم «الأب» لباسل الخطيب، إضافة إلى مجموعة من الإطلالات التلفزيونية العديدة، التي لم تبتعد عن موازين الضبط اللازم لأدواته كممثل، وإن لم تصنع له الشهرة العريضة التي يطمح إليها أي فنان. إلا أن شغله كان مسيّجاً من الانحدار، أو التراجع، أو ترهّل أدواته الفنية. يأخذ بعضهم على محّدثنا تأثره الزائد بالنجم أيمن زيدان فلا ينكر قاسم ذلك. هو يعترف بفضله، ومواكبته خطواته الأولى منذ مسلسلات «طيور الشوك» إلى «أنا وأربع بنات» و«أمهات» و«الوزير وسعادة حرمه» و«علماء في جبين الشمس» و «رجل الانقلابات» لتكر سبحة الأعمال تباعاً.
اليوم، يصوّر قاسم دوره في مسلسل «وهم» (تأليف سليمان عبد العزيز، وإخراج محمد وقاف، وإنتاج المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني) حيث يلعب دور جهاد أحد المحاور الأساسية في الحكاية. يقول لنا إنّها «شخصية خيّرة في بعدها العام، وعصامية وطيبة وصادقة تسعى للوقوف بجانب الآخرين دائماً. إلا أنه يخوض صراعاً بين حبه لوطنه وحبيبته، ورغبته في الهجرة بطريقة غير شرعية عبر البحر لتأمين مستقبله. هكذا، يعيش مجموعة من الصراعات الداخلية وأخرى مع شخصيات القصة وفق تشعبات وخطوط العمل الاجتماعية المشوقّة».