عشرات الضحايا من النساء قضين على يد أزواجهن، وسنوات طوال من النضال في الشارع والميديا، للمطالبة بإقرار قوانين تردع القتلة، وتثبت العدالة ومبدأ المحاسبة... الى جانب قضايا العنف الأسري، حضرت بقوة في الآونة الأخيرة قضية التحرش الجنسي على خلفية إتهام المنتج الأميركي الشهير هارفي واينستين بالتحرش. قضية شرعت الباب واسعاً، أمام حملة شهدتها هوليوود للمرة الأولى في تاريخها بفضح تعرض النجمات لتحرش جنسي، والإفصاح عنه بشكل علني وصريح، عبر هاشتاغ metoo#، الذي أطلقته الممثلة الأميركية أليسا ميلانو.
العالم يتغير. شيئاً فشيئاً، تتزحزح القوانين والذهنيات العربية، فيما بعض المواد الإعلامية تصرّ على صناعة التفاهة والسطحية. في غضون أيام قليلة، رأينا على شاشة mtv برنامجين اثنين («منّا وجرّ»، و «هيدا حكي») تناولا قضيتين حساستين: التحرش الجنسي، والعنف الأسري. مع تدشين أولى حلقات البرنامج الكوميدي، الذي يشارك فيه عباس شاهين هذا العام، كانت وقفة عند حملة metoo#، (وأنا أيضاً)، التي تفضح المتحرشين على شبكات التواصل الاجتماعي.

علّق كرم على الحملة بتهنئة النساء اللواتي يفضحن التحرش، بكل أشكاله، ليعود ويعرج على ما قاله النجم المصري حسين فهمي لإحدى الفضائيات المصرية، عن تعرّضه أيضاً للتحرش في المصعد، من قبل مجموعة فتيات كنّ عائدات من حفل زفاف! وبعد تبرير فعل التحرش من قبل المقدمين بأنّ فهمي «رجل حلاوة» وبالتأكيد سيتعرض للتحرش، دخل على الخط رئيس الفرقة الموسيقية شادي الناشف الذي يتشارك عادة الحوار مع كرم. قال الناشف بسخرية للنجم المصري: «لشو زعلان هالقد؟»، ليعود ويسرد تجربته المتخيلة عن تعرضه لتحرش من قبل «معلم» الشاورما الذي يقع محله تحت بيته: «المعلم ع السيخ استحلاني»! وبعد حفلة النكات الفارغة على قضية بحجم التحرش الجنسي، سأل شاهين كرم ممتدحاً جماله الأخاذ: «أنت كمان شاب حلاوة شي مرة تعرضت للتحرش؟».

أقام «منّا وجرّ»،
و«هيدا حكي» حفلة ضحك
على قضيتين حساستين

وبعد هذا التعاطي السطحي مع قضية التحرش، وتبرير هذه الفعلة والأهم وضع قضية التحرش بالمرأة على قدم المساواة مع قضية تحرّش بالرجل، شاهدنا «منا وجر» وتحديداً فقرة «رادار» الذي يقدمها إيلي سليمان يوم الاثنين الماضي. استهل سليمان فيديواته التي تلتقط عادة هفوات وأغلاطاً تلفزيونية، ببث فيديو قصير يعود الى قناة «نورسات» الدينية، حيث تظهر سيدة تحث المرأة على أن تكون قوية وصاحبة إنجازات. هنا، علق سليمان على كلمة «هي» التي تكررت مراراً في الشريط القصير، وأعقبها بلقطة لمحاربة يابانية تضرب رجلاً ضمن الألعاب القتالية. هكذا، خلص المقدم إلى أنّ النساء هن من يقوم بتعنيف الرجل لا العكس!
وبعدما ساد الضحك في الاستديو، وتهنئة سليمان بأنه قدّم لقطات تلفزيونية موفقة، انتهى الأمر عند هذه النقطة، ولم يجر أحد من الموجودين أي تعقيب على ما شاهده.
في المحصلة، وبالرغم من الإنجازات التي تحققها النساء في بلاد الشرق، لا سيما في لبنان، الا أنّ هذه السقطات التي تسخف القضايا أمثال ما شاهدناه في البرنامجين وغيرهما، تبقى نقطة سوداء في الإعلام اللبناني، خصوصاً الكوميدي منه. حبذا لو تلقى هذه القضايا دعماً من على هذه المنابر، بدل السخرية وحفلات التصفيق، واعتبار أن قضايا التحرش والعنف الأسري يمكن أن تندرج ضمن حفلات الضحك، أو التسلية.