«ما قدرت أفصل التأثّر عن الضغط المهني... لو قدرت أفصل عاطفتي يمكن كنت عملت أداء أفضل». عبارة قالتها بولا يعقوبيان أوّل من أمس في نهاية مداخلتها الهاتفية ضمن برنامج «كل يوم» على شاشة ON E المصرية مع عمرو أديب، بعيد إنتهاء مقابلتها «الإستثنائية» مع رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري من الرياض.
جاءت هذه الكلمات تبريراً لبعض الانتقادات التي طالت الإعلامية اللبنانية على مواقع التواصل الإجتماعي أثناء إدارتها للحوار مع الحريري. مع الأخذ في الاعتبار التحفظ المبدئي, المهني والأخلاقي, على إجراء حوار مع شخص في الأسر لا يتمتع بكامل حريته (وما زلنا نذكر الصولات التلفزيونية في «أعزاز» برعاية «أبو ابراهيم»).
قبل توجّهها إلى الرياض، نجحت قناة «الجديد» في استراق حديث مقتضب من بولا، حيث أكدت مقدّمة برنامج Inter-Views للمراسل هادي الأمين أن الحريري طلب منها شخصياً إجراء هذه المقابلة التي بثّت عبر قناة «المستقبل» وامتنعت المحطات المحلية عن نقلها، باسثتناء mtv، «التزاماً بقرار رئيس الجمهورية ميشال عون». شدّدت يعقوبيان أيضاً على أنّها لن تتقيّد بأسئلة معدّة سلفاً وأنّ أحداً لم يلزمها أو طلب منها شيئاً: «عندي صدقية عند الناس ما بقدر أخسرها».
قبل بدء المقابلة عند الثامنة والنصف مساءً بتوقيت بيروت، ساهم نشاط بولا المعروف على السوشال ميديا في تزويد الناس بمعلومات وتفاصيل، ولو بسيطة، متعلقة بالحوار الحدث، سيّما بعد أيّام طويلة من الشائعات واللغط والتكتّم والمعلومات المسرّبة.
وفي الوقت الذي أراد فيه رئيس «تيّار المستقبل» نفي الكلام حول احتجازه في السعودية وإجباره على الإستقالة، جاءت النتيجة معاكسة تماماً، إذ رأى مراقبون محليون وعرب وأجانب أنّ الحوار الذي جهدت بولا للتأكيد على أنّه مباشر «أعطى انطباعاً معاكساً تماماً لذلك الذي هدف الحريري إلى إيصاله»، إذ بدا مشوّشاً ومرهقاً جسدياً ونفسياً كما أنّ «كلامه لم يكن مقنعاً إطلاقاً».
الانطلاقة كانت قوية خصوصاً عندما تحدّثت بولا عن عدم قدرتها على إقناع أحد «بأنّك لست أسيراً أو موضوعاً في الإقامة الجبرية... الأكثرية تعتبر أنّ لا قيمة لكلامك اليوم لأنّك تحت الضغط، وأنا متهمة بأنّني أشارك في مسرحية»، قبل أن تقول إنّ «ممارسات السعودية في لبنان شبيهة بممارسات إيران... هناك تهديد مباشر من السعودية بعقوبات إقتصادية وبتجويع اللبنانيين...». وفيما انتشرت التعليقات الإفتراضية على مجريات الحلقة، برزت هاشتاغات عدّة أبرزها #تحت_الضغط الذي لا يزال يتصدّر الترندات على تويتر حتى كتابة هذه السطور، من دون أن ننسى «تحليلات» روّاد مواقع التواصل لمضمون حديث رئيس الحكومة. الرجل الذي وقف خلف بولا يعقوبيان حاملاً ورقة بيضاء مشتتاً تركيز الحريري، استحوذ على حصّة من البوستات، ومن ثم الفيديو الذي نشرته يعقوبيان ويضم حديثاً قصيراً بينها وبين أحد التقنيين السعوديين. بعد شروحات عدّة لمضمون هذا المقطع المصوّر، أكدت بولا عبر إنستغرام أنّها كانت تحاول «الاستفهام حول مسالة الـ delay بالصوت عند البث عبر الأقمار الصناعية»، مطالبة بالتوقف عن «الاستخفاف بعقول الناس».
لا شكّ في أن مدّة اللقاء (حوالي ساعة و20 دقيقة) لم تكن كافية لطرح كل الأسئلة على الحريري، علماً بأنّ دعوة وجّهت إلى الناس لطرح أسئلتهم عبر السوشال ميديا من خلال #إسأل_الرئيس. في مثل هذه الظروف غير الطبيعية والدقيقة، يمكن القول إنّ بولا يعقوبيان نجحت في مهمّتها قدر المستطاع، خصوصاً لجهة إبراز الرأي الآخر، وإن كان يؤخذ عليها عدم تطرّقها إلى مسائل مهمّة مثل الأنباء التي روّجت لها قناة «العربية» ونفتها الأجهزة الأمنية اللبنانية حول إحباط محاولة اغتيال للحريري في بيروت بواسطة أجهزة تشويش إيرانية، أو مسألة مبايعة شقيقه بهاء، وغيرها من الأمور الملحة. عموماً، بدا القسم الثاني من الحلقة أكثر هدوءاً. قد يكون ذلك تعاطفاً من الإعلامية اللبنانية مع الحريري الذي لم يستطع حبس دموعه قبيل الفاصل الإعلاني الأوّل وطلب عدم إطالة الحلقة، أو التزاماً منها بطلب ما للتهدئة!؟ بمعزل عن التساؤلات التي طُرحت حول دقّة المعلومات التي قالتها بولا (غياب الرقابة الأمنية, مكان الحوار, إلخ.), ولكن يبقى الأكيد أنّ بولا يعقوبيان واجهت الحريري بأسئلة وبحجج قوية وأظهرت مستوى من المهنية في وضع فائق الحساسية.