القاهرة | ليس غريباً اصطفاف وسائل الإعلام المصري مع السعودية. ترى ما يراه الديوان الملكي، وتؤيد ما يقرره الملك سلمان وولي عهده. في الأزمة الأخيرة مع لبنان، انحاز الإعلام المصري كله إلى المملكة. دافعت وسائل الإعلام المصرية كمثيلتها السعودية عن استقالة سعد الحريري من رئاسة الحكومة اللبنانية. ولأن السعودية تهاجم «حزب الله»، فكل القنوات المصرية هاجمت الحزب واعتبرته خطراً على لبنان والأمة العربية، بل العالم أجمع.
وقال الإعلامي المقرب من السلطة المصرية أحمد موسى إن «حزب الله حاول اغتيال سعد الحريري. لذلك لجأ إلى السعودية ليحتمي بها». وأضاف في برنامجه «على مسؤوليتي» الذي يعرض على فضائية «صدى البلد» أن «حزب الله هو من قتل رفيق الحريري في 2005 والسيناريو نفسه كان معداً لاستهداف سعد لكنه نجا»! كذلك، ذهب المذيع عمرو أديب في برنامجه «كل يوم» على قناة ON E إلى الرأي نفسه، مؤكداً أن الحريري استقال خوفاً من تكرار سيناريو مقتل والده. وقال أديب: «يبدو أن المخابرات والأمن السعوديين أبلغا الحريري بمخطط لاغتياله». وربط عمرو أديب بين توقيت قرار استقالة رئيس الوزراء، ولقاء جمع الحريري مع مستشار الرئيس الإيراني، «الذي يبدو أنّه طلب منه بعض المطالب» بحسب أديب. وفي حلقة ثانية، قال أديب إن الحريري سيتعرض للاغتيال في حال عودته إلى لبنان، مصدقاً على الرواية السعودية بأنه ليس مختطفاً في المملكة.

القنوات هي ذاتها التي دافعت عن تخلي السلطة المصرية عن جزيرتي تيران وصنافير
وتساءل: «هل المنطقة ستظل متحملة التدخل والوجود الإيرانيين بهذا الشكل؟». وأجاب على نفسه: «هناك مخطط إيراني يستهدف مصر ودول الخليج عدا قطر»!
من جهته، عاد الإعلامي أحمد موسى ليؤكد أنّ سعد الحريري مجبر بالفعل على الإقامة في السعودية لأنه يخشى الاغتيال حال عودته. وبكل ثقة، قال: «هناك أربع أذرع يجب قطعها لوقف الإرهاب في العالم: إيران وقطر وحزب الله وتركيا». الإعلامي تامر أمين، مقدم برنامج «الحياة اليوم» على فضائية «الحياة»، هو الآخر شارك في الحملة على «حزب الله»، قائلاً: «الحزب لا يعمل في السياسة، وهو متغول بسلاحه، ويفرض سيادته على المشهد اللبناني بالقوة». ولم يفته هو الآخر أن يطالب بقطع هذه «الذراع الإيرانية»! جريدة «الأهرام» المصرية كتبت في باب «رأي الأهرام» تؤكد على الموقف السعودي من الأزمة، وتنحاز إلى الاتجاه القائل بأن حزب الله وإيران يسعيان إلى اغتيال سعد الحريري، وطرحت سؤالاً خبيثاً على الفرقاء اللبنانيين في نهاية المقال مفاده: «هل تريدون لبنان المستقر الآمن أم تريدون تسليم بلدكم لإيران ليكون أحد محاورها في تدمير المنطقة؟». وبهذا، يتأكد للمرة المليون أن الإعلام المصري لم يعد تابعاً فقط للسلطة المصرية التي تفرض عليه أجندتها الخاصة، إنما أصبح أيضاً تابعاً لإعلام المملكة السعودية... إلى درجة أنّه لم يعد غريباً أن تسمع مذيعاً كأحمد موسى يقول إن «تهديد جماعة أنصار الله (الحوثيين) في اليمن للسعودية، هو إعلان حرب على الدولة المصرية، والجيش المصري لن يقف على الحياد في تلك اللحظة»، مسترجعاً قول الرئيس عبد الفتاح السيسي بأن «تهديد الخليج خط أحمر لن تقبل به مصر». وكذلك، لم يعد غريباً أن تشعر وأنت تقرأ جريدة «الأهرام» (العريقة) بأنك تقرأ جريدة «الرياض» السعودية، أو تشاهد أي فضائية مصرية، فتعتقد للوهلة الأولى أنك تتابع قناة «الإخبارية» السعودية. هكذا تحولت وسائل الإعلام المصرية إلى بوق من أبواق النظام السعودي، لكنها للأسف تخرج من داخل الأراضي المصرية. والحقيقة أن هذا ليس بغريب، فتلك الوسائل هي ذاتها التي دافعت عن تخلي السلطة المصرية عن جزيرتي تيران وصنافير لصالح السعودية، وتحدثت عن الحق السعودي بتلك الأرض رغم وجود حكمين قضائيين يؤكدان وقوعهما ضمن الحدود المصرية. لذا فمن الطبيعي أن يدافع الإعلام المصري عن موقف الديوان السعودي، رغم أنه كان من السهل جداً أن تتمسك تلك الوسائل بالحياد على الأقل في عرض وجهتي نظر الأزمة، لا أن تكون صوت السعودية منذ اللحظة الأولى.