تتقاطع أعمال «عتبات 7» هذه السنة، مع برنامج «مركز بيروت للفن» الممتد على عامين. تحت عنوان «التحركية»، اختارت لجنة التحكيم (لورانس أبو حمدان، وستيفاني بومان، وطوني شكر، وأندريا ثال) أعمالاً لخمسة فنانين لبنانيين ومقيمين في لبنان، تقارب إشكاليات الحركية التي كنا قد شاهدناها في مواعيد عدة هذه السنة أهمها «محادثات لا منتهية» (تحية إلى المنظر البريطاني ستيوارت هال). يعتبر هال أن الهوية حركة مستمرة ومحادثات لا متناهية. وهي التي نراها في معرض «عتبات 7»، تحكم أعمال التركية ميرف أونسال، واللبناني محمود صفدي، والبكستانية إيشان رافي، والغواتيمالية ياسمين حاج مياني والفرنسية ساندرا إيشيه. تراوح أعمال هؤلاء بين العام والخاص، والممارسات السياسية، والمدينة وأخرى أكثر حميمية من خلال الفيديو والفوتوغرافيا والمقابلات والتجهيز. في قاعة سوداء كبيرة، نشاهد تجهيز فيديو على ثلاث شاشات هو جزء من مشروع «عربات حرة» للفرنسية ساندرا إيشيه، الذي يضم سلسلة لقاءات أجريت مع فنانين ومفكرين في بيروت. على الشاشة الوسطى، تطالعنا مقتطفات من مقابلة مع المخرج السوري الراحل عمر أميرلاي أجرتها معه في شباط 2011، قبل وفاته بفترة قصيرة، ترافقها على الشاشتين الجانبيتين مشاهد من أفلامه «الحياة اليومية في قرية سورية»، و«الدجاج»، و«عن الثورة»، و«رائحة الجنة»... المقابلة (40 دقيقة) ليست تقليدية. اتفقت إيشيه مع أميرلاي على الخطوط العريضة لتأتي النتيجة مفاجئة. نحن الآن في 2030، وعلى عمر بابتكار أجوبة متخيلة لحوار افتراضي حول الأوضاع السياسية في الشرق الأوسط في المستقبل. نستمع إلى نظرة أميرلاي المستقبلية، التي تشبه توقعات رؤيوية لسوريا ولبنان وفلسطين، ليقابل احتمالات مرور الزمن وتطور الأحداث، محاكياً كل إمكانيات تحركها نحو المستقبل. يتوقع الثورة السورية، ويتنبأ بالحكومة اللبنانية التي ستصبح على شكل مصارف، بينما سيبقى اللبنانيون تحت حكم «الحماقة».
يلتقط اللبناني محمود صفدي حركية أجساد القافزين على شاطئ الدالية

في Off The Coast There Was، يلتقط اللبناني محمود صفدي حركية أجساد القافزين على شاطئ الدالية. في غرفة مستقلة، تستقبلنا خمس صور بأحجام صغيرة ضمن إطارات بيضاء. تقبض اللقطات على لحظة سقوط الجسد في الماء، إذ تظهر رذاذ الماء الأبيض الهائج الذي يخلفه هذا الفعل. يقابل هذه الصور فيديو يمتد على سبع دقائق. تتبع كاميرا محمود صفدي، بانسيابية بطيئة، حركة أجساد الغواصين في مراحلها المتعددة؛ الانتظار، والاندفاع بالجسد إلى الأمام، والتهاوي وملامسة الماء ثم الغوص في أعماقها. كل هذه المشاهد نتابعها أمام خلفية الصخور، يعلوها المد العمراني والتحول المديني الذي يهدد شاطئ الدالية اليوم. يلتقط صفدي المفردات الجسدية التي تكاد تكون موحدة بين جميع الغواصين الفتيات والشباب والرجال. هكذا، تتحول من ممارسة خاصة جداً إلى نوع من المقاومة للمشروع الجديد الذي يهدد هذا الشاطئ، كما تضاف إلى معلومات البحر من خلال انصهارها مع حركية الأمواج التي تحتوي بدورها على معلومات أخرى.
ضمن عملها «جهاز»، تلجأ البكستانية إيشان رافي إلى اماكن أكثر حميمية، لاستكشاف حركة الأجساد وقدرتها على التنقل ضمن الحيز المكاني الخاص والعام. مشروعها أشبه بلعبة تفاعلية. على الحائط تتوزع أفقياً صور خاصة بالفنانة، تظهر جزّاراً مع لحم، وسريراً وغرفة نوم وستارة حائط وغيوماً ورملاً ومصرفاً وصالة رياضة، ولصقات جرح، وأكياساً ثقيلة تشكل جميعها مرآة للجهاز الذي يفترش الأرضية مقابل الجدار. عليه رسمت رافي أشكالاً وخطوطاً وأشكالاً هندسية، تنتظر أجساد الزائرين. على هؤلاء أن يتحركوا ويتنقلوا ضمن مساحة الجهاز وفق ورقة تعليمات أولية تقترحها الفنانة. «قسموا المستطيل إلى أربعة أجزاء متساوية»، «قلدوا شخصاً آخر»، «ابتكروا أشكالاً بأجسادكم» تسجل إيشان تعاليمها، فيما تتركنا في مواجهة مع صورها التي تقترح علينا حالات ومهمات ومساحات معينة. وفيها تدعونا إلى استكشاف قابلية الأجساد للتنقل بين الأمكنة، وإمكانية تحولها وتبدل وظيفتها ضمن نظام معين. في مجموعاتها Drifts، تعيدنا الفنانة الغواتيمالية ياسمين حاج مياني إلى الأعمال الحركية للفنان اليوناني تاكيس التي تخيم عليها العلوم والفنون معاً، خصوصاً اعتماده المغناطيس. يجمع عملها رسومات بالأبيض والأسود ولقطات فيديو مكررة لسيارة في طور الانزلاق، تختبر من خلالها شكلاً أقصى من التنقل أو الحركة، هو الانزلاق وفقدان السيطرة الذي تنتج عنه أحاسيس قصوى أيضاً مثل الخوف نظراً لانعدام الجاذبية. في المقابل، تصنع مياني آلة مغناطيسية على شكل طاولة، تدور ضمن دائرتين، وتستجمع وتنظم الغبار المعدني ضمن سياق محدد لتمنح الرسومات بعداً ثلاثياً. تستخدم مياني الغبار المعدني الذي يأكل رسوماتها ويجسد حالة للغياب. في Salamet، تعرض ميرف أونسال مجموعة من الصور الأرشيفية من جريدة «سلامت» التركية وأخرى التقطتها لمواد البناء كالاسمنت والحدائد وأجزاء من الأبنية. عبر هذه الصور، استحضرت أونسال خلال محاضرة قدّمتها الشهر الماضي في «مركز بيروت للفن» موت عمال البناء وتحديداً السوريين. انطلاقاً من معنى كلمة «سلامت» (الحالة الجيدة والسليمة)، تطرح مجموعة من الأسئلة منها: «ما هو ثمن هذه الأبنية»؟ «هل تتقاطع الحالة الجيدة لسكانها مع حالة العمال الذين بنوها في السابق»؟ تسائل صورها المجردة فعل التفرّج عليها، وتحاول استثارة ذاكرة مشتركة من خلالها.

«التحركية: عتبات 7»: حتى 29 كانون الثاني (يناير) ــ «مركز بيروت للفن» (جسر الواطي ــ بيروت). للاستعلام: 01/397018