دمشق | تجمع مرجعيات تنظيرية في فنّ التمثيل على أنه قبل أن يبدأ الممثل بتجسيد أي دور، ينبغي أن يسأل نفسه: لماذا ينوي تجسيد هذه الشخصية، وكيف يتقدم في سلوكياتها، وما هي نظرتها للحياة، وكيف تنظّم يومياتها، وما هي إمكانياتها ومواهبها. ولا بد من أن تكون هناك مقولة تختصرها هذه الشخصية ينبغي للممثل ابتكارها قبل أدائها. تشكّل تلك الحالة البحثية في عوالم الشخصية، هاجساً لدى الممثلة السورية علا بدر التي تجرّب منذ أكثر من عقد صناعة مسلك خاص بعربتها، علّها تجيد صياغة حلم متفرّد، لا يمكن لأحد تقليده. لكن المشوار كان شاقّاً منذ انطلاقته، بدءاً من الأخلاقيات التي باتت تحكم العلاقات الإنسانية في الوسط الفني السوري، وتحيل كلّ فتاة جميلة إلى طريدة يتنافس عليها المعنيون بمنح الفرص، وصولاً إلى المحسوبيات والاحتكام لقواعد هشّة، واكتسابها عداء مجانياً كونها شقيقة النجمة روعة ياسين، وصولاً إلى الانهيار المتسارع الذي تشهده الصناعة السورية الأهم، وضيق أفق الفرص للمواهب الشابة.

بداية الطريق على مستوى فردي بالنسبة إلى علا، كانت في جامعة دمشق على مقاعد «كليّة الآداب» (قسم علم الاجتماع)، الذي هجرته، متحينة الفرصة للالتحاق بكورس تمثيل في مصر، إثر سفرها مطلع الأزمة لسنوات عديدة. لا تعرف بدر كيف اجتاحتها رغبة التمثيل. كل ما تذكره أن جوابها كان جاهزاً على السؤال المدرسي التقليدي «ماذا تريد أن تصبح في المستقبل» بالقول: «ممثلة». جواب كان يأتي دوماً متلازماً مع ضحكة بريئة، بينما كانت أجوبة زملائها تنحصر في الطب والهندسة!
تعيد السؤال اليوم عشرات المرات، على كل من تصادفه، وتندهش بما أنجزه الشاعر الراحل إياد شاهين في ديوانه اليتيم «كورتاج» في هذا الخصوص عندما كتب: «ماذا تريد أن تصبح في المستقبل؟ أريد أن أصبح عجوزاً». ترى بأنه واحد من الكتب النادرة التي تفيض حالات درامية متناقضة، وتقدم نموذجاً للنص القصير الذي يفيض بالصور الفنية. لم تعتد القراءة إلا بداعي العمل، ولا تخجل بأن تجيب «لا أعرف» عندما تكون معرفتها ناقصة. شغفها مختزل ضمن أبعاد الشاشة الكبيرة. قدّمت عشرات الأدوار متسلّحة بعفوية مطلقة، وعين مدركة، لا تجيد سوى التحديق المباشر في المشاهد من أجل الوصول إلى قلبه، وهي تطفح إحساساً. أدركت لاحقاً بأنه لا يمكن لممثل بعينين فارغتين، إلا أن يشتت مراقبه. هكذا، طوّعت سلاحها الأدائي لإيصال عمق إحساسها وصدقه بالشخصيات التي أدتها. أفادت من مخيلة لا تهدأ على مدار 24 ساعة. منذ تسلّمها النص، تترك الباب مفتوحاً لمخيال خصب، يبني صورة برانية، ويؤسس لفضاء داخلي ونفسي مستفيدة من توغلها في بيئات دمشقية متباينة، وتماسها المباشر مع شرائح مجتمعية عديدة، تستقي منها الشخصيات التي تؤديها، على كثرة أدوارها انطلاقاً من الدراما الشامية في «باب الحارة» و«عطر الشام» و«صدر الباز» و«أهل الراية» و«بيت جدي» وصولاً إلى الكوميديا في «مرايا» ومن ثم الدراما الاجتماعية في «الخبز الحرام» وثلاثيات «أهل الهوى» التي نبّهت لخامتها. لكن حظها العاثر وقف دون تسويق الأعمال التي لعبت فيها شخصيات مختلفة منها «فارس وخمس عوانس» ثم «الغريب» (2017 عبد المجيد حيدر ومحمد زهير رجب) إلى أن بدأت محطة «beIN دراما» بعرضه أخيراً. هنا، تقدّم بدر حالة طارئة على مشوارها، حيث تجسد شخصية سكرتيرة، ترتبط بعلاقة غرامية مع رجل متورط في سلسلة جرائم، ثم تصل إلى ذروة صادمة، تجبرها على استعراض شفاف لمعظم أدواتها كممثلة، بشكل أكثر تعقيداً وأعمق من أدوات الجمال والأناقة والعفوية!

«الغريب»: من الاثنين الى الجمعة ـــ 21:00 بتوقيت بيروت على «beIN دراما»