تونس | بعد مسيرة نصف قرن من العمل بين تونس وفرنسا وبلجيكا، قرّر المسرحي السبعيني نور الدين العاتي إقفال مسرحه الخاص «نجمة الشمال»، ومغادرة البلاد مرة أخرى بعد 20 سنة من عودته إلى تونس حيث أسس فضاءه الثقافي. ظل العاتي يناضل وحده من أجل عدم إغلاق المسرح في غياب شبه تام للجمهور الذي لا يقبل على الأعمال التجريبية التي يقدمها العاتي!
«أنا٬ نور الدين العاتي٬ الحاصل على شهادة تقني عالي (الأول في دفعته) من «المدرسة الوطنية العليا لفنون وتقنيات المسرح» في باريس٬ وعلى شهادة في الإخراج المسرحي من «المدرسة الوطنية العليا للفن المسرحي» في المسرح الوطني في ستراسبورغ في فرنسا٬ وعلى شهادة مكلف بإنتاج على الصعيد الأوروبي من «أكاديمية باريس». عملت كمسؤول عن التكوين التقني وأستاذ توضيب وهندسة مسرحية في «المدرسة الوطنية العليا للفن المسرحي» في ستراسبورغ٬ وكعضو في المجموعة الفنية وعضو في هيئة الإدارة للمسرح الوطني في ستراسبورغ٬ وكمكلف بمهمة في المسرح الوطني البلجيكي». هكذا قدم العاتي نفسه في رسالة موجعة بعثها إلى وزيرة الثقافة بعدما حاصرت الديون شركته المسرحية الخاصة ولم يعد قادراً على الاستمرار.
ليست هذه الأزمة الأولى التي يواجهها العاتي منذ عودته الى تونس قبل عشرين عاماً بعد غربة استمرت ثلاثين سنة بين ستراسبورغ وبلجيكا. يومها، عاد العاتي محمّلاً بالكثير من الأحلام التي تبينت له أنّها كانت أوهاماً بعدما أنفق كل ما جمعه في إقامته الأوروبية على المسرح ولا شيء غير المسرح.

إغلاق مسرحه الخاص
«نجمة الشمال» والهجرة من
جديد الى بلجيكا
إذ باع كل ما ورثه من أملاك على تجربته المسرحية «نجمة الشمال». في البداية، تنقل بين داري الثقافة «باب العسل» و«حي الخضراء» (مملوكتان لوزارة الثقافة) اللتين تقعان في حيين شعبيين وسط العاصمة. أنفق الكثير من ماله الخاص لتهيئتهما، لكنه غادرهما ليستقر في فضاء خاص في قلب العاصمة قريباً من شارع الحبيب بورقيبة. نجح في تهيئة فضاء مسرحي مع مقهى ثقافي أصبح في فترة وجيزة قبلة الطلبة والفنانين الشباب. كان هذا المشروع في البداية مدعوماً من «المعهد الفرنسي للتعاون في تونس». وعندما واجه أزمة مالية مماثلة قبل حوالي عشر سنوات، تدخّلت رئاسة الجمهورية ووزارة الثقافة، فدُعم هذا الفضاء بمبلغ ٥٠ ألف يورو حتى لا يغلق أبوابه!
اليوم، يواجه العاتي من جديد الأزمة نفسها، فالمنحة القليلة التي يحصل عليها من وزارة الثقافة لم تعد تكفي لمواجهة مصاريف الفضاء، والدولة لم تعد معنية بدعم المشاريع الثقافية بالحماس نفسه بسبب الأزمة الاقتصادية والأمنية، وتدخل الإسلاميين في الحكم... هم الذين يعادون أي نفس ثقافي تنويري. لذلك لن يكون هناك حلّ أمام العاتي الا إغلاق الفضاء والهجرة من جديد الى بلجيكا.
بمرارة، قال نور الدين العاتي في بيان صحافي إنّه محبط من الوضع الثقافي في البلاد. لذلك قرر بيع الفضاء، فلم يعد يرى أي مكان له في تونس التي لم تعد تتسع لأحلام أبنائها!
على مدى عشرين عاماً، قدم العاتي عشرات العروض ذات النفس التجريبي نقلاً عن أبرز المؤلفين المسرحيين من يونسكو الى بيكيت وسارتر وحتى المسرحيات الكلاسيكية مثل أعمال شكسبير. أعاد صياغتها وتقديمها في مقاربات تجريبية. لكن يبدو الآن أنّ الحلم انتهى وتوقفت المسيرة.