«في عصر الحريّات والفضاءات المفتوحة، ماذا يبقى ليُمنَع؟ مَن يقرّر عن اللبنانيين ماذا يشاهدون وماذا يقرأون وماذا يكتبون؟». عناوين فضفاضة ومرتبكة ضمها البرومو الترويجي لبرنامج «كلام الناس» على lbci. وأول من أمس، كان الموعد مع حلقة خاوية وخالية من الطرح المعمّق، في غياب أصحاب الاختصاص، والخبرة في مجال الرقابة والسينما، وقضيتي فيلمي the post، لستيفن سبيلبرغ، وزياد دويري وذهابه الى الكيان المحتّل، فاستُغلَّت الساحة لبثّ حفنة من الأكاذيب والتضليل.
عبر ساعة وخمسين دقيقة موزعة على أكثر من ضيف، مع مداخلات هاتفية، لم تقارب الحلقة ملف «حريات التعبير»، بل أتت الخلاصة بما بمعناه، أن «حزب الله»، أو ناشطيه نشروا الغوغاء على مواقع التواصل الاجتماعي، بتهديدهم بالنزول الى الصالات وإقفالها، على خلفية فيلم «ذي بوست»، وهم لا يمتون الى الديمقراطية والتحضر بصلة! أما زياد دويري، الذي أطلّ من باريس، فـ «دفش» لبنان ليكون في مصاف العالمية، من خلال ترشح فيلمه «قضية رقم 23» إلى الأوسكار.
خلال الحلقة، قدم السينمائي اللبناني أوراقه كاملةً الى مارسيل غانم، في ما خص فيلم «الصدمة» (2013) الذي صوّر في الكيان الصهيوني وتعامل مع طاقم اسرائيلي. لعبة تواطؤ مكشوفة، وتمثيلية مفضوحة، بينه وبين الإعلامي اللبناني، من إظهار ورقة إجازة عرض فيلم «الصدمة» مروراً برسالته التي بعثها قبيل ذهابه الى هناك الى مخابرات الجيش، وصولاً الى سؤاله المباشر عن جلوس دويري مع «كادر كبير من حزب الله»، بعد تصويره «الصدمة». وادعى دويري أنّ الكادر «طمأنه» بأن الفيلم لن يمنع، مع تحفظه على الموافقة على خطوة التطبيع التي قام بها. طبعاً، حفنة من الافتراءات والأكاذيب تضمنتها الحلقة، على رأسها نفي غانم، أن يكون دويري يعدّ في الوقت الحالي، لفيلم عن «كامب دايفيد»، متهماً «الأخبار» بأنها الوحيدة، التي كتبت عن هذا الخبر. علماً أن دويري أعطى وقتها حديثاً الى موقع «هوليوود ريبورتر»، حكى فيه عن تفاصيل هذا العمل (الأخبار 11/1/2018).

لم تقارب الحلقة ملف «حريات التعبير» بل أرادت تلميع صورة المطبعين مع الكيان الاسرائيلي

منذ أيلول (سبتمبر) الفائت، عندما استضاف مارسيل غانم، صاحب «بيروت الغربية»، باحتفالية «الناجي» من حفلات التهديد والقتل، بعيد خروجه من «المحكمة العسكرية»، لغاية أول من أمس، حين أقام احتفالية أخرى بترشّح فيلمه الى الأوسكار، ما زال الإعلامي اللبناني، مثابراً على تلميع صورة دويري والمرافعة عنه رغم أنّه حاول تقمص دور المحاور الجيد في الحلقة أول من أمس. إذ وجّه جملة أسئلة مباشرة لدويري عن التطبيع، والخيانة. دويري الذي برع في تجسيد دور الضحية أول من أمس، كرّر الذريعة عينها، بأن على المخرج أن يكون ذا «مصداقية» في اختيار المكان الملائم لفيلمه، عدا أنه اعترف «بخرق القوانين»، و«دفعه الثمن» غالياً في هذا المجال كما قال. وبهذا الكلام، يريدنا دويري أن نقتنع بأن ملف تطبيعه مع الاحتلال قد طوي الى غير رجعة، والتركيز الحالي يجب أن يكون على «صورة لبنان» المشرقة أمام الغرب، وعدم إثارة أي قضية تتعلق بالتطبيع، كي لا تتزحزح هذه الصورة عندهم، وندخل في خانة البلد «المتخلف»!
سمة الغوغائية، التي حاولت الحلقة تكريسها عن جمهور «حزب الله»، واتهام الأخير بالقبض على مفاصل الدولة، لم نرها سوى في هذا النقاش. نقاش أدخل عنوة، قضايا متشابكة، مترابطة شكلاً، لكن ليس في المضمون، لا سيّما القضية المتعلقة بعرض فيلم «ذي بوست». إذ أكد تقرير عرض خلال الحلقة أنّ عائداته لا تذهب الى المخرج مباشرة، بل الى أصحاب الصالات والموزعين والدولة اللبنانية. وبالتالي لا يسهم هذا الفيلم في ذهاب الأموال الى الكيان الصهيوني، عدا تمييع النقاش الحقيقي المتمثل في تبرّع سبيلبرغ بمبلغ مليون دولار لاسرائيل في عز حرب تموز، عبر ربطه بالتعاطي اللبناني اليومي مع استهلاك السلع والمنتجات الأميركية، الداعمة لإسرائيل بشكل أو بآخر.
إذاً، من زياد مخول الصحافي في «لوريون لو جور»، الذي أطلق صرخة «كفى» لكل مقارعي التطبيع في لبنان، واتهمهم بأنهم يعيدوننا الى القرون الوسطى، و«الوصاية السورية»، مع تصفيق علني من قبل غانم له، عبر وصفه بـ «المتمرّد كالعادة» الذي كتب «افتتاحية عظيمة» في صحيفته، وصولاً الى دويري نفسه، الذي أعلن أخيراً لموقع Forward، بأن «صراعه اليوم مع حملة مقاطعة اسرائيل»، لا مع الكيان المحتلّ، مروراً بغانم الذي سخر مرات من حملات المقاطعة ووصفهم بـ «الأغبياء»... كل هذه الجوقة تحاول اليوم، تكريس منظومة فكرية وخطاب خطير في لبنان، عبر بثّ أضاليل وبروباغندا تشيطن الجهات المقارعة للصهاينة وتصفهم بالمتخلّفين، وتميّع تورط المطبعين مع الكيان الاسرائيلي.

* لمشاهدة حلقة كلام الناس انقر هنا