عندما يتعلّق الأمر بدمشق، تتلاشى الحلول الوسطى من قاموس المخرج السوري البارع المثنى صبح. هنا يصل الحب إلى أعتى درجات التعصّب. الشام لا تقارن بأي مدينة في العالم! صحيح أنّ القدس المحتلة وسائر المدن الفلسطينية تعيش في وجدانه وينتمي إليها بروحه كونه ابن الأراضي المحتلة. لكن لمدينة «البوابات السبع» حكاية أخرى. انطلاقاً من «جوبر» المدمّرة هذه الأيّام وبساتينها، إلى شوارع العاصمة المتاخمة لها. رحلة طويلة محفوفة بتراجيديا الفقد المتلاحق. هكذا، عاش صاحب «على حافة الهاوية» مقرراً ألا يغادر مدينته مهما بلغ الخطر فيها، إلا بداعي العمل. ومع إسدال الستار على المشهد الأخير، يكون قد حجز مقعده في أوّل طائرة عائدة إلى دمشق. كان قد أنهى تصوير مشاهد مسلسله «العاصوف 2» (كتابة عبد الرحمن الوابلي وناصر القصبي وعثمان جحى) على الرغم من عدم عرض الجزء الأوّل، إلا أن mbc متحمسة لهذا المشروع، ومن الممكن أن تنجز جزءاً ثالثاً منه أيضاً. لدى تأخّره عن موعد عودته إلى الشام، سألناه ساخرين إن كان يخشى القذائف التي ازدادت حدّة تساقطها في الفترة الماضية، فضحك طويلاً قبل أن يقول: «ربما أكون آخر شخص يمكن أن يوجّه له هذا الكلام». لم يكن صبح قادراً على العودة إلى سوريا إلا بعد إنهاء جميع العمليات الفنية، والاطمئنان على كل التفاصيل الدقيقة والشعور بالرضى النسبي عمّا أُنجز، خصوصاً أنّه أمام عمل ملحمي يواكب معطيات الحياة الاجتماعية في السعودية بدءاً من عام 1970 حتى 1975، ويلقي الضوء على التغيّرات التي طرأت على المجتمع بين ذاك الزمن وهذه الأيام. كما أّنه يصدم مشاهده برصد حالة الانفتاح التي كانت تعيشها المملكة قبيل غزوها من الثقافة الأصولية! وبمجرّد أن حطّت طائرته قبل أيّام في مطار دمشق الدولي مساء أوّل من أمس، توجّه المثنى مباشرة إلى ركنه المفضّل في مقاهي الشعلان (واجهة دمشق الحديثة). هناك، يراكم مخزونه الحياتي، ويراقب تناقضات وحدّة المجتمع السوري بعد مفرزات الحرب. يحدّق جيداً في أعداد المتسوّلين المارّين بجانب المقاهي، إلى جانب سيل من السيّارات الفاخرة. ينفخ دخان نرجيلته، ويردّ على سلامات الجميع بالسوية نفسها، سواء كانوا أصدقاء أو معجبين أو مجرّد زملاء. يمازح كابتن كرة السلّة السورية عمر حسينو المتباهي دائماً بقوته الجسدية، ويجيب على سؤال الفضوليين عن مشاريعه المقبلة بأنّه لا يُنجز شيئاً حالياً سوى الراحة، والإجهاز على وجبات الطعام الشامي العتيق. لا يعرف إن كان سينجز مسلسلاً سورياً اجتماعياً لمصلحة شركة سورية. وأخيراً، صار يعجبه غزل أحد أصدقائه عندما يقول له تعقيباً على الطقس الجميل هذه الأيّام في دمشق: «حتى سماء المدينة تفرح بعودتك وينعدل مزاجها!».