الرسالة الصوتية الأخيرة التي وصلتني من ريم كانت قبل شهر ونيف، تخبرني فيها بعض تفاصيل عملها الجديد المختلف الذي تسجله في النروج وحوّلت فيه «الفحوصات المخبرية» إلى نوتات موسيقية و«أغنيات» غير مسبوقة. أما رسالتي الأخيرة لها، فكانت قبل أيام وفيها صلاة ودعاء لنهوضها مجدداً كما عودتنا دائماً، أن تغلب المرض وتنتصر للحياة، أن تعود لمقاومة خبيثين هما المحتل الإسرائيلي والسرطان، فضلاً عن مقاومتها «الظروف» الخاصة والعامة، لتواصل نشر الحُبّ والجمال صوتاً وصورةً، أو كتابة... وتطريزاً حين خان الصوت صاحبته. للأسف هذه المرة كان الخائن الجسد كله، الجسد الذي ناء بروح لا تهوى غير التحليق ولا تجيد إلَّا الطيران. لكن حتى هذا الجسد الذي سُجي بين الورود ثم ووريَ في الثرى، ما استطاع كتم صوت أيقونة فلسطين (تماماً كما وعدت أبناءها في نصها الأخير المؤثر)، لأن روحها عائدة في ألبومها الجديد المقبل صوتاً يهتف للمقاومة والحرية والرفض والتمرد.
لدي الكثير لأكتبه عن ريم ولها، هي التي حققت حلم زيارة بيروت لأول مرة بدعوة من برنامج «خليك بالبيت» وودعتَها بزيارة أخيرة إلى «بيت القصيد»، وبين الزيارتين سنوات ثمان وسمان من الصداقة والمودة، من الأمسيات المشتركة والحوارات والرسائل والكلمات المزهرة تماماً كالورود على شرفتها الناصرية. لكن الآن هو وقت الدمع لا الحبر، وقت الحزن لا الرثاء. يكفيني منها في لحظة الأسى واللوعة أن صوتها متغلغل في الروح والوجدان وصورتها مقيمة في القلب والذاكرة.
يوم لقائنا الأول قبل ثماني سنوات، كتبتُ أنها تصارع خبيثيْن الاحتلال والسرطان، ومن ذاك النصّ أستعيد منه:
هذه البلاد نحفظها غيباً كالصلاة
هذه الجبال تعرفنا كأثداء الأمهات
نحن هنا، أنتِ هنا
ثوبُكِ الجليليُّ مُشَنْشَلٌ بالموسيقى،
في مِعْصَمَيكِ فِضَّةُ التعب
‏على جبينكِ هبوبُ الريح
‏الترابُ في كفّيكِ قمحٌ
‏والأغاني في فمكِ ياسمين
لا الرصاصة تقتل فكرة
ولا السياف قادرٌ على جزِّ عشب الشهداء.
غداً ينبت العشب والزهر فوق ضريح ريم، أما في وعينا ووجداننا فينبت صوتها منتصراً للمقاومة والحرية، مبشراً بأن ورد فلسطين، لا محال، سوف يكسر سيف الاحتلال.