أرواح تستغيث، ووحوش تكاد تخرج من الإطار، وفراتيات مسربلات بالحزن والفقدان. هكذا اختزن عبد الحميد فياض (1953) في معرضه الذي يستضيفه «مرسم فاتح المدرس» في دمشق، هذه الأيام، أوجاعه المتراكمة، وهو يرى حطام مدينته الرقة تحت وطأة كابوس الحرب والخراب، فكانت أعماله الجديدة بمثابة أرشيف للمذبحة وعويل الفرات وطوفانه. ألوان داكنة وخطوط نزقة تلخّص درجات الدمار، فالمدينة التي كانت تستدعي الناي وأنين القصب تحوّلت إلى بركة دم ونشيج مكتوم وبشر تائهين في صحراء الفزع. أجساد بلا رؤوس، ووحوش بشرية ألقت بثقلها وأعرافها الطارئة على ألفة المكان. لكن التشكيلي الفراتي سيذهب إلى عتبة أخرى، في مرحلة لاحقة، في محاولة لاستعادة البياض الذي لم يعد كفناً وحسب، بعد تحرير مدينته من آثام البرابرة. هنا يبزغ أمل غامض مستدعياً بهجة لونيّة، كانت متوارية في الظل، ففي الأعمال التي أنجزها أخيراً، سعى إلى تنظيف ريشته الثخينة من آثار الدماء وكوابيس الحرب، مستكشفاً أسباب الحلم بزرقة الفرات، ليستبدل جداريات العنف بأعمال صغيرة، من دون أن يتخلى عن تعبيريته وتكويناته الأصلية.

على جدران المرسم، تناوب 30 عملاً هي حصيلة يوميات الحرب، والذات القلقة، والإعلان عن موقف مضاد للخراب العمومي الذي أطاح بطمأنينة اللون والخطوط الزاهية نحو ما هو داكن ومتفجّر وعفن، قبل أن يقشّر طبقات الألم إلى أطياف حلمية كأنها خارجة من نفق مظلم كي تتنفس هواءً آخر، لم تلوّثه أنياب الوحش.


*معرض عبد الحميد فياض: حتى 10 نيسان (أبريل) الحالي ــ يومياً ما عدا الجمعة ــ بين الساعة الخامسة والثامنة مساءً ــ «مرسم فاتح المدرس» (دمشق). للاستعلام: 00963112246710