بعد حفلة رعب أدخلتنا فيها القنوات عشية رأس السنة مع توقّعات «المنجّمين» بالكوارث الآتية، ها هو تفجير حارة حريك يقضي باكراً على أجواء التفاؤل بـ 2014. تفجير الأمس بدا مربكاً للشاشات في تغطيتها للحدث وسط تضارب أرقام الشهداء. زاد الطينة بلّة تداول المعلومات المغلوطة كالقول بأنّ المستهدف كان قناة «المنار» وتكرار عبارة أنّ مكان التفجير قريب من «المكتب السياسي لحزب الله».
في اللحظات الأولى، كان هناك افتقار للصور بسبب الطوق الأمني المفروض وصعوبة الوصول الى المكان، فاستعيض عن ذلك بصور ثابتة تداولها الناشطون. في هذا الوقت، حضرت «المنار» بقوة في التغطية عبر انتشار مراسليها في الميدان والمستشفيات ونقلها الصور مباشرة، فانتقل اللوغو الأصفر الى كل القنوات المحلية والفضائية. وبينما أصرّت «المستقبل» وmtv على أنّ التفجير وقع بجانب «المكتب السياسي لحزب الله»، راحت otv تربط بينه وبين تفجير «ستاركو» وأحداث صيدا الأخيرة لدى استهداف الجيش من قبل تكفيريين تابعين لأحمد الأسير. ومع تكتّم القنوات على أسماء الشهداء، سجّلت سقطة لـ»الجديد» بإذاعتها خبر استشهاد أحد الجرحى (عباس كرنيب) ليتبين لاحقاً أنّه يخضع لعملية، فاعتذرت المحطة ومراسلها باسل العريضي عن الخبر. ومن المستشفيات الى الاستديوهات التي فتحت هواءها للسياسيين المتنقّلين من دون أن يعرف المشاهد جدوى هذا الاستصراح في التغطيات لدى وقوع كل حدث. وقبل البدء بالمواقف السياسية التي تدليها الشاشات عبر مقدمات نشرات أخبارها المسائية، برز النائب السابق مصطفى علوش على lbci الذي ألقى مسؤولية التفجير على «حزب الله» الذي وصفه بأنّه «جزء من ولاية الفقيه والحرس الثوري الإيراني»، مبرّراً فعلة الجاني بالقول «بدأت التفجيرات بعد دخول «حزب الله» الى سوريا. لقد حذرناه قبلاً والتفجير هو نتيجة هذا التدخل».
على المنابر المسائية، راحت كل قناة تقف وراء متراسها وتكرّر مواقفها السياسية من دون الاكتراث بهول الكارثة. «المنار» بدت مكابرة على نفسها، واضعةً التفجير ضمن عمليات «الإرهاب التي تستهدف الآمنين» وبرأيها، لاقى هذا الإرهاب «نكسة»، فالشهداء والجرحى «هم عابرو سبيل». المضحك حقاً كان مقدمة mtv التي وعدت بأنّها لن تبحث في أسباب التفجير لتبدأ لاحقاً بتلاوة النغمة المعتادة بتوجيه أصابع الإتهام الى «حزب الله» فـ «اللعب بالمساحات السورية لن يأتي الا بالويل» وفق شاشة المرّ. أما lbci، فطرحت سؤالاً كبيراً: «هل أُعطي الضوء الأخضر لتفجير الساحة اللبنانية؟».
فضائياً، كانت «العربية» أول من نشر خبر التفجير والمعلومات المغلوطة عن المستهدفين، ولم تنس ربط ما حدث بتدخل الحزب في سوريا الذي وصفته بـ «السافر الى جانب نظام بشار الأسد». وعلى الموجة عينها، سارت «الجزيرة».
ماذا يبقى من هذا اليوم الدموي الآخر؟ ليس صورة الجثث المتفحّمة التي لم نرها هذه المرة، بل صورة ملاك زهوي. سرعان ما تداول الفايسبوكيون صورة تجمعها بالشهيد الشاب الآخر علي حسن خضرا (تفجير حارة حريك)، والشهيد الشاب محمد الشعار (تفجير ستاركو). كأنّنا بتلك الصورة مرآة لشعب كامل ينتظر مصيره عند قارعة الطريق.

يمكنكم متابعة زينب حاوي عبر تويتر | @HawiZeinab