للحظات، نسي أحمد سبايدر ــ الشاب الذي يصعب تعريفه ــ أنّه يحدّث دمية تلفزيونية، فهددها على الهواء قائلاً: «هاسجنها، هاسجنها»! لكن قضية «أبلة فاهيتا» التي أثارت سخرية المصريين أمس، لم تبدأ عجائبها من التهديد التلفزيوني. لقد بدأت منذ أن طلب النائب العام من نيابة أمن الدولة فتح تحقيق في البلاغ العجيب الذي قدمه سبايدر، الشاب الذي برز اسمه بين «أبناء مبارك» قبل ثلاثة أعوام، واشتهر بوصفه مروّج تفسيرات مؤامراتية خيالية، تربط بين شباب «ثورة يناير» والماسونية العالمية من خلال تأويل ملابسهم وأشكالهم والشيفرات المفترضة في تصريحات الثوار. يمكن أياً كان التقدم بأي بلاغ إلى مكتب النائب العام، وللنائب أن يقرر مدى جدية البلاغ، فيقرر فتح التحقيق أو حفظه، وصولاً إلى الإحالة على المحكمة المختصة إذا تطلب الأمر. لذا، فإن ما أثار «ضَجة فاهيتا» أنّ النائب العام قد وجد من «الجديّة» في البلاغ إلى درجة تكليف أمن الدولة العليا بالتحقيق، علماً بأن البلاغ ليس مقدَّماً ضد شخصية خيالية فحسب، بل إنّ الاتهامات نفسها خيالية بدورها، تتعلق بهذيانات حول شيفرات ورسائل بثتها «أبلة فاهيتا» في آخر أعمالها الفنية!
الفيديو، محل البلاغ، كناية عن دعاية تلفزيونية قدمتها شخصية فاهيتا لمصلحة شركة «فودافون». يدور الإعلان المصوّر مواكباً لاحتفالات رأس السنة، ويحمل عنوان «شريحة المرحوم» حول باقة عروض تحاول عبرها الشركة تشجيع العملاء على إعادة استخدام خطوط هواتفهم القديمة مقابل ساعات مجانية. لكنّ بلاغ سبايدر وجد في الإعلان «شيفرات» خاصة ترمز إلى مصر والجيش، والإخوان، والقنابل، وإرهاب محتمل في رأس السنة، وأشياء من هذا القبيل.
شركة «فودافون مصر» التي استدعى النائب العام مديرها الإقليمي للتحقيق، أصدرت بياناً في اليوم التالي، أكدت فيه أنّ الإعلان لا يهدف سوى إلى «التعريف بعرض إعادة تشغيل شريحة «فودافون» وجذب المشاهد للمنتج (...) ولا يحمل أي بعد آخر غير الموضح أعلاه، وأي تفسيرات مخالفة لذلك محض خيال وآراء شخصية لبعض مشاهدي الإعلان». وقالت الشركة إنّها «تنأى بنفسها عن الدخول في تفاصيل التفسيرات والاتهامات غير المعقولة التي صدرت من بعض الأشخاص، وتحتفظ بحق الرد بالطريقة التي تراها مناسبة».
المفارقة التي ربما ساهمت في إشعال شكوك سبايدر، أنّ المشرفين على شخصية الدمية فاهيتا قد نجحوا جيداً في إخفاء آثارهم، منذ أن أطلت «الأبلة» للمرة الأولى عبر يوتيوب منتصف 2010، تحت اسم مدام «شوشو أبو جهل»، قبل أن تشتهر باسم «فاهيتا». عبر قناتها «الأنروب» www.youtube.com/user/elanroob/videos، لم تقدم سوى عدد قليل من مقاطع الفيديو. لكن انطلاقة شعبيتها بدأت مع فيديو «هما أربع سنين» الذي عبّر من خلال أغنية بالغة الطرافة عمَّن أحزنهم فوز محمد مرسي بالرئاسة عام 2012. استضيفت فاهيتا بعد ذلك في أكبر البرامج والمحطات، منها «بي. بي. سي.» وبرنامج باسم يوسف، لكن مبتكريها ظلوا دوماً سرّيين. وعلى قناتهم على يوتيوب، ثمة عبارة واحدة في خانة المعلومات هي «اللي هايمشي ورانا هانورّيه (تهديد خفيف بالمحكية المصرية)».
غير أنّ الذروة وصلت إلى أقصاها في برنامج «ممكن» الذي يقدمه خيري رمضان على «سي. بي. سي.» في حلقة الأربعاء الماضي، بدا كلا الضيفين ــ عبر سكايب ــ خياليين، بل ربما بدت الدمية فاهيتا أكثر واقعية ومنطقية من سبايدر. تحدثت فاهيتا عن تعدد الأذواق، وحسّ الكوميديا لدى المصريين، وعالم الانترنت الواسع الذي يحق لكل مستخدم أن يطّلع على ما يريد من دون إساءة أو بلاغات، بينما كان سبايدر «الحقيقي» يتحدث عن الشيفرات والماسونية والرسائل الغامضة، والشخصية «الكارتونية» التي «دخلت مصر» منذ سنوات، واصلاً إلى النهاية الطبيعية للهذيان، وهي تهديد «أبلة فاهيتا» بالسجن. ليس في مصر سجن للعرائس والدمى، لكن كل شيء وارد هذه الأيام.