بعدما انتهت موضة التهليل لـ «الربيع العربي» من قبل بعض الوسائل الإعلامية اللبنانية، صار متوقعاً في أي وقت أن تقصف تلك المحطات جميع مشاهديها بمواد تحريضية وعنصرية ضد اللاجئين السوريين، وهي نفسها التي دعت سابقاً للانضمام إلى «الثورة» ثم راحت تتعاطى معهم عندما نزحوا هرباً من الإرهاب، بنفس استعلائي ينسجم مع سياسة مهينة، تبدو كأنّها السمة البارزة في طريقة الشغل الإعلامي هذه الأيام... الأمثلة على ما سبق لا تحصى، ربما أشهرها عندما حوّلت قناة mtv مشهداً ساحراً للنجمة كاريس بشار في مسلسل «غداً نلتقي» (إياد أبو الشامات ورامي حنا) إلى فرصة لتصفية الحسابات واتهام السوريين بكره فيروز؟! أو عندما التقطت جريدة «النهار» صورة لصبي يعتلي جملاً ويسير في شوارع بيروت الراقية، معتبرة أنّ الأمر «جراء اللجوء السوري المتزايد... جمل أمام قصر الأونيسكو»، قبل أن تترك الجريدة نفسها فرصة لأحد صبيتها بأن يقول بفم ملآن «الحمرا صارت سودا بسبب التوسّع السوري»! من دون أن تتردد تقارير عدة في إنجاز قاعدة ذهبية تفيد بأن الـ Traffic (زحمة السير) سبّبه السوريون في البلد، أو نشاهد عاملاً سورياً يهان على شاشة otv بحجة الكاميرا الخفية، ثم نقرأ تعليقات فردية مشينة لممثلين لبنانيين موتورين قرروا في لحظة غضب عمياء إفراغ ما في جعبتهم من حقد.
إذاً، لم يعد الانحدار والتردّي المهني مفاجئاً من قبل تلك المنابر، أو من بعض الأسماء ولو كانت شخصيات اعتبارية، لكن أن نستفيق على قناة «الجديد» وقد قرّرت أن تنضم لركب العنصرية بطريقة وقحة، فذلك يترك شعوراً عميقاً بالإحباط، وينذر بأنّ الخطاب العنصري السائد ضد السوري في لبنان بدأ يسلك طريقه نحو التعميم.
«الفضل» سيعود طبعاً لـ «عبقري» مثل شربل خليل صاحب التاريخ الحافل بمثل هذه السقطات، إذ تفتقت مخيّلته في آخر حلقة بثّت من برنامجه «قدح وجم» (إعداد وإخراج خليل) لإنجاز أغنية استعراضية بصوت وأداء ليال ضو تقول كلماتها بدون أدنى شعور بالخجل: «يا عين على السوريين بأرضي اللبنانية... نحنا صرنا مغتربين وهني الأكثرية، جاري في عندو غرفة بمجلي وحنفية... معها شي متر فرشة وتحتا بيت الميّ، إجا عريس بلهفة وعروسو الصبية... يستأجرها شي نتفة تتروق بسوريا... فاتوا على الغرفة اتنين من شي كم صيفية اسم الله الغرفة فيها اليوم دزينة وشوية. ركبت سيارة تكسي بزيارة شخصية... برم الشوفور وقلي «شلونك» ياصبية... وصلت استقبلني الناطور وياي شو رحب فيي... وقلي مو على التفلزيون كل جمعة عشية؟ فتت لعند الجماعة وشي نزل علي... وين العيلة المقصودة لا لا مش هاي هي… قالوا لي الناس الي بالدار ما في لبنانية.. كلياتنا من دير الزور ما عنا غربية».
طبعاً الحديث عن تدنّي سوية ضوء الأدائية وتهريجها المنفّر وأسلوب «الكليشيه» المهترئ لكثرة تكراره، لن يكون مفيداً أو ربّما سيتراجع لصالح ما هو أكثر كارثية، أي جرعة العنصرية المفرطة وخلو المادة تماماً من أي مقومات تخوّلها للعرض. الخلاصة يمكن اختصارها بجملة واحدة: انضمت «الجديد» إلى جوقة الردّاحين... يا مرحبا!.