كان من المتوقع أن لا يطول غياب مارسيل غانم كثيراً، وأن تستثمره mtv ليلة الانتخابات لحصد نسب مشاهدة مرتفعة، خصوصاً بعد ما أحدثه غيابه عن الشاشة من فراغ واضح في هذا الموسم الانتخابي. لكن إطلالة غانم ليلة غد، الذي أحيا سهرة انتخابية شهيرة في حزيران 2009، لا يمكنها إلا أن تستدعي مفارقات كثيرة لما يحمله العام 2009 من خصوصية على صعيد إعادة رسم المشهد التلفزيوني اللبناني.يذكر ميشال حايك في توقعاته لعام 2013 أن «مارسيل غانم سيكون كلام الناس». كان يمكن تصديق الأمر إذا تذكرنا أنه في ذلك العام انتشرت أخبار عن خلاف وقع بين غانم ورئيس مجلس إدارة lbci بيار الضاهر، على خلفية تغيير موعد برنامج «كلام الناس». لكن الأمر لم يُثر ضجة، ما يعني أن توقع حايك سابق لأوانه، إذ لم يتحوّل غانم فعلياً إلى «كلام الناس» إلا ابتداءً من تشرين الثاني (نوفمبر) 2017 وحتى اليوم. ربما أخطأ حايك يومها بالاسم، فذكر مارسيل عوضاً عن جورج الذي غادر القناة يومها، وربما كان يحاول تذكير غانم بمقابلة أجراها معه، لكن الأكيد أن ما حصل مع غانم في الشهور الأخيرة كان يحتاج إلى عرّاف: من ملاحقة قضائية، مروراً بحركة يد غير لائقة أثارت ضجة، ثم استقالة من مؤسسة أمضى فيها نصف عمره، وصولاً إلى انتقاله إلى مؤسسة منافسة لم توفّره هو نفسه من الانتقادات في أكثر من مناسبة.
من هنا، يصبح انتظار حلقة الغد مبرّراً: عودة الإعلامي المثير للجدل في أمسية انتخابية، بعد شهور من الضجة. واستبقها بإطلالة في برنامج «دق الجرس» أعلن فيها اختياره الانضمام إلى mtv لأنها «في بعض المحلات تشبهني في تطلعاتي». لا غرابة في انتقال غانم إلى mtv بعدما تحولت الأخيرة إلى حاضن لمن يمكن تسميتهم «قدامى lbc»، وآخرهم الإعلامية دوللي غانم، لكن الغريب هو قوله إنها تشبهه في تطلعاته، خصوصاً إذا كانت المقارنة التي تفرض نفسها اليوم هي بين السهرة المرتقبة غداً والسهرة الانتخابية الشهيرة التي أدارها غانم ليل 7 حزيران 2009.

2009: العام الحرج
تسع سنوات تفصل بين الاستحقاقين حصل الكثير خلالها في عالم التلفزيون. ففي عام 2009، عادت mtv إلى الحياة، بعدما كانت قد أقفلت بقرار قضائي في أيلول (سبتمبر) 2002 بحجة مخالفتها القانون الانتخابي. عادت mtv قبل أسابيع من الاستحقاق الانتخابي في 7 حزيران (يونيو)، على الرغم من أن القرار القضائي الذي سمح بعودتها يعود إلى آب (أغسطس) 2005. لم يكن خافياً على أحد أن قرار العودة هذا ارتبط مباشرةً بالانتخابات النيابية التي يمكن أن تأتي بالمال اللازم للانطلاقة من جهة، وتوفّر الدعم السياسي المطلوب لحزب «القوات اللبنانية» في الانتخابات.
حُمّل الأخوان غانم مسؤولية الكثير من القرارات التي اتخذتها lbci بحق الموظفين


أثّرت هذه العودة في lbci، التي كانت (ولا تزال) تخوض نزاعاً قضائياً مع «القوات اللبنانية»، وشهدت أكثر من هزّة، منها اندلاع خلافها مع «روتانا»، وخلافها مع «الإمبراطور الإعلاني» الراحل أنطوان الشويري الذي خرج من شراكته معها وتوجه لدعم mtv إعلانياً، يضاف إليهما استقالة مي شدياق مباشرة على الهواء منها. ولا ننسى طبعاً استقالة وليد عبود، مباشرة بعد إعلان انطلاقة mtv، ليكون واحداً من مؤسسيها. هذه الأحداث التي سبقت الاستحقاق الانتخابي، تلاها صرف عدد من الموظفين نهاية العام نفسه، ثم استقالة شدا عمر (بعد إيقاف برنامجها الحدث)، ولاحقاً زوجها مروان متني الذي كان يشغل منصب مدير البرامج والأخبار السياسية.

الأخوان غانم
العودة إلى كلّ هذه الأحداث، في إطار الحديث عن إطلالة مارسيل غانم غداً، تأتي لتقول إن كلّ ما جرى في المحطة حُمّلت مسؤوليته آنذاك لـ «الأخوين غانم». حملة قواتية عنيفة شُنّت على جورج غانم، الذي اتُّهم بصرف موظفين محسوبين عليها نهاية عام 2009 وتعيين موالين للتيار الوطني الحر في مراكز المسؤولية. وفيما نفى جورج الأمر، كان مارسيل غانم يُتهم بإقصاء كلّ «منافس جدي له» بسبب «نفوذه الكبير» المتأتي من علاقته الجيدة برندة الضاهر، بحسب ما يقول متني في مقابلة مع جريدة «البلد» في عام 2010. اتهام يرفضه مارسيل غانم الذي يقول في مقابلة له مع جريدة «الحياة» عام 2009 إنه لم ينظر يوماً إلى برنامج آخر عند زملائه، فـ«أنا أعمل بجهد ليكون برنامجي ناجحاً ومحترفاً ومهنياً، ولا أشعر بأنّ عليّ أن أقدّم هدايا مجانية لأحد، أو أن أذوب ليظهر الآخرون».
في المقابلة نفسها، يصف متني الأخوين غانم بـ «السلاح الثقيل» الذي كان يستخدمه رئيس مجلس إدارة lbci بيار الضاهر، في إطار الحديث عن السهرة الانتخابية التي أطلّ فيها الشقيقان ليل 7 حزيران 2009 لمواكبة نتائج الانتخابات، والتي روّج لها بكثافة، بوصفها تعتمد التقنيات «الحديثة»، سواء من خلال «بلاتوه» التصوير أو تقنية الـexit polls التي اعتمدت يومها، وشكلت مادة أساسية للنقد لاحقاً.

انتقادات بالجملة
أبرز المنتقدين كانت مي شدياق، من خلال برنامج «على الطاولة» عبر شاشة mtv. قالت شدياق لمحاورها نيشان حين سألها عن رأيها بـ «لقاء القمة» الذي جمع الأخوين غانم: «أنت صديق intime (حميم) لمارسيل، ما رأيك بشخص يستقبل شقيقه على الهواء؟»، معلنة أن«الصورة رائعة، لكن ملاحظاتي على المضمون أحتفظ بها لنفسي». لكن رأيها في المضمون عبّرت عنه لاحقاً في كتابها عن التلفزيون (la télévision mise à nu) الذي تذكر فيه أن هذه السهرة الانتخابية كرّست الطلاق بين lbci والقوات اللبنانية، بسبب انحيازها إلى فريق 8 آذار. وتشير شدياق إلى مجموعة من الأخطاء واكبت هذه السهرة، منها «ممازحة مارسيل غانم للمرشح نديم الجميّل: أتمنى أن لا أكون قد أيقظتك، يبدو أنك كنت نائماً بعد سماعك الأخبار السيئة، ما فاجأ الجميّل الذي كان يعرف أنه يسبق منافسه بأشواط». وتنقل شدياق عن جورج غانم قوله لها (في عام 2013) إن «الضاهر أبلغ السعوديين خلال لقاءات أجريت في كازابلانكا أنه مستعد لدعم فريق 14 آذار، لكن ليس القوات اللبنانية»، معترفاً لها بأن «نسبة مشاهدة القناة تدنّت بعد انتخابات 2009» (ص 304). هذا ما يقوله أيضاً مروان متني في المقابلة نفسها: «انتخابات الـ 2009 النيابية كانت مفصلاً أساسياً، حيث جرى تهميشنا وإقصاؤنا، وكان هناك إخفاق كبير في هذه التغطية حيث ابتعدت عن الموضوعية وأخرجت المحطة عن ثوابتها بنحو فاضح، وجرى الخلط بين النزاع القضائي على الملكية وتوجهات المحطة».

انتقادات قواتية بالجملة طاولت سهرة الـ exit polls في حزيران 2009


التهميش والإقصاء عبّرت عنه المراسلة دنيز رحمة فخري، التي قالت بعد صرفها من عملها من lbci في نهاية العام: «يبدو أن المؤسسة اللبنانية للإرسال تريد أن تمحو أثر القوات اللبنانية في أقسامها». وفي ما سيصبح عادة لاحقاً، بالنسبة إلى «قدامى lbci»، أطلّت رحمة في برنامج «حديث البلد» على وقع أغنية القوات اللبنانية «نحن تحدينا الأخطار» في تشرين الثاني (نوفمبر) 2009، لتؤكد غياب المعايير المهنية عن قرار فصلها.

ثقة الناس أولاً
هذه الانتقادات «القواتية» التي طاولت أداء lbci الانتخابي عام 2009، وكان الأخوان غانم مسؤولين عنه، يفترض أنها تعبّر بوضوح عن سياسة mtv التي تخوض اليوم معركتها الانتخابية بوضوح إلى جانب «القوات اللبنانية». فأي أداء ننتظره غداً من مارسيل غانم؟ وأيّ تطلعات يتوقع أن يجدها في القناة؟
المشاهدون ينتظرونه. منهم محبوه الذين لم يتوقفوا يوماً عن مدّه بالتغريدات الداعمة، ويحرص بدوره على إعادة تغريدها على صفحته الرسمية. فنقرأ تعبيرهم عن اشتياقهم له بطرق مختلفة وإعلانهم انتظار ما سيقدّمه لهم بعد فترة الغياب «ناطرين بعد الصوم يثور بركان الإعلام». ومنهم من سيرصد أداءه ليحكم على ما ألزم به نفسه خلال إطلالته الأخيرة في «دق الجرس»، عندما قال متهرباً من الإجابة عن سؤال: أنت خسرت lbci أم هي خسرتك: «الأهم أن لا أخسر ثقة الناس، وأن أبرهن أني لم أتخلّ عن صورتي ولا عن حقيقتي».
فلننتظر ونرَ.