طوال هذا اليوم، بدت تغطية القنوات العربية الإخبارية الرئيسة للانتخابات اللبنانية باهتة، وإن شذّت «الميادين» عن ذلك؛ إذ حاولت التغطية المباشرة، لكن مع مقاربة الانتخابات البلدية التونسية في الوقت عينه. بدت «الجزيرة» و«العربية» غير مهتمتين بما يحدث في لبنان. حافظتا على برامجهما اليومية/ الأسبوعية المعتادة من دون تغيير لمصلحة «المباشر» كما جرت العادة إبان الأحداث الكبرى. مثلاً، كانت القناة السعودية تعرض «كلام في الفن» ومقابلة مع الفنانة المغربية هندي زهرة، فيما تحدثت المحطة القطرية عن «المصوّر المصري شوكان» المعتقل في مصر. بدت القناتان غير معنيتين بنتائج الانتخابات (حتى لحظة كتابة هذه السطور). ومن يسمع التقارير التي بثتهما، يشعر بأنَّ هناك نوعاً من «التأكد» بأنَّ النتائج شبه محسومة، إذ أشار تقرير على «الجزيرة» إلى أنَّ الصراع محسوم على ما نسبته 90% من المقاعد، فيما 10 في المئة فقط قابل للتغيير أو الاختراق. ربما كانت هذه «الثقة» بالنتائج، ما جعل «الجزيرة» و«العربية»، تبتعدان عن أسلوبهما المعتاد في التجييش المذهبي/ الطائفي لمصلحة طرفٍ على حساب طرفٍ آخر، وإن كانت «العربية» في لحظةٍ ما أقرب إلى طرفٍ من آخر على عادتها. ولعل المشاهد العربي كان يتوقع حماسة أكبر من قنوات «الضجة» العربية، وخصوصاً لحدثٍ يعتبر «كبيراً» و«مختلفاً» في العالم العربي، لناحية أنه ليست هناك انتخابات «فعلية» إلا في بلدان محدودة كلبنان، أو لأن هذه الانتخابات قد تكون «بوابةً» لأحداث سياسية وأمنية وعسكرية قادمة.
«الميادين» حاضرة بقوة
بخلاف نظيرتيها العربيتين، يُحسب لقناة «الميادين» أنّها قررت متابعة الانتخابات اللبنانية بحرفية عالية عبر نشر عددٍ كبيرٍ من مراسليها على كل الأراضي اللبنانية. لكنها في الوقت عينه، غطّت الانتخابات البلدية التونسية باعتبارها «حدثاً» مساوياً. مثلاً، انقسمت الشاشة في لحظة بين «زحلة، الجرمق، كورنيش المزرعة» من جهة (كلّها مناطق لبنانية)، و«الكاف» التونسية من جهة أخرى. لكن كيف يكون الحدثان متساويين سياسياً؟ وهل انتخابات البلديات التونسية مساوٍ للانتخابات النيابية اللبنانية؟
تنقّلت كاميرا القناة بين مراسلين منتشرين على كل الأراضي اللبنانية، بدءاً من العاصمة اللبنانية وصولاً حتى الحدود الفلسطينية كما حدث في «العديسة»، حين قابلت مراسلة القناة ملاك خالد النائب عن «حزب الله» علي فياض وتحت علم الحزب، بمقابل الأراضي الفلسطينية المحتلة.

«العربية» ملكة التجييش المذهبي
طبعاً، لم يفت قناة «العربية» الحديث عن «حزب الله» والثنائية الشيعية منذ اللحظات الأولى لتغطيتها للانتخابات اللبنانية؛ إذ أشارت إلى انسحاب المرشّح محمد حميّة وهو مرشّح منطقة بعلبك الهرمل عن المقعد الشيعي (ضمن لائحة الكرامة والإنماء)، وهي اللائحة المدعومة من «القوات اللبنانية» وتيار «المستقبل»، مشيرةً إلى ما سمَّته «الترهيب الانتخابي». إذ أوردت أنّ الرجل انسحب بسبب «خوفه على عائلته من التهديدات التي تعرّض لها، وهي ضغوط غير مسبوقة». وضمن تقريرٍ صباحي، شرحت «العربية» تقريباً كيفية تموضع الأحزاب والتيارات اللبنانية، و«تقسيم» كعكة الانتخابات والتحالفات. وكانت القناة في الليلة السابقة قد ركّزت على خبر اعتداء لـ«مناصري ميليشيا حزب الله وحركة أمل» على مكتب لتيار «المستقبل» في بيروت، فضلاً عن خبر فقدان إحدى القنوات التلفزيونية (لم تذكر LBCI بالاسم) سيارة نقلها الخاص في منطقة «بعلبك»، غامزة إلى «سيطرة حزب الله على تلك المنطقة».
اتهمت «العربية» حزب الله بما سمته «الترهيب الانتخابي»


«الجزيرة» غير معنية
بدورها، جاءت تغطية الجزيرة «بلا نفس»، حتى إنّها تركت الخبر الانتخابي اللبناني سادساً ضمن نشرة أخبار الظهيرة الرئيسة، وهذا يوضح سياسة القناة تجاه الأحداث اللبنانية الجارية. تحدّث مدير مكتبها في بيروت، مازن إبراهيم، عن نسبة الاقتراع، مشيراً إلى أنَّ «هذه الانتخابات ستطوي صفحة فريقي 14 و8 آذار اللذين اختلفا على كل شيء»، من دون أن ينسى استخدام جمله الشهيرة مثل «ثورة الأرز في مواجهة النظام الأمني اللبناني ـــ السوري»، أو القول إنّ «حزب الله» مرتاح حالياً، وخصوصاً لناحية غياب «النقاش حول سلاحه» و«انخراطه الإقليمي في المعارك» عن «سياق» المعركة الانتخابية الحالية.
في الإطار عينه، اكتفت قناة «بي بي سي» الناطقة باللغة العربية بالتغطية الخجولة لما يحدث، فاكتفت بتقارير قصيرة، وركّزت على مرشَّحي المجتمع المدني والمرشحات اللواتي وصفتهن بأنهن «أكثر من مجرّد زينة». بحسب تغطية القنوات الإخبارية العربية، بدا كل شيءٍ أشبه بخبرٍ عادي يجري في بلاد الواق واق، لا في بلدٍ عربي مؤثر له قيمته السياسية كلبنان.