لا يمكن للتغييرات الجوهرية في مكان مثل شبكة «الجزيرة» أن تمرّ بشكل عابر! ستتبعها زوبعة إعلامية يعتمد قسم منها على تحليلات ومعلومات وتقاطع أخبار، فيما يرتكز بعضها الآخر إلى الفبركات، والتكهنات، وربما التمنّيات، أو الرغبة المتقصدة في خلق بلبلة، علّها تفيد السعودية التي نصبت العداء الأكبر لقطر، وشنت حرباً طاحنة وحصاراً مطبقاً من قبل مجلس التعاون الخليجي. وفقاً لما سبق، كان بديهياً أن تشعل استقالة مدير «الجزيرة» الإخبارية ياسر أبو هلالة، وتعيين التقني القطري ذي الأصول اليمنية أحمد السقطري اليافعي، موجة من الأخذ والرّد والتخمينات عبر وسائل الإعلام، ومواقع التواصل... من جهة، أراد ناشطو الدول الخليجية المناهضة لقطر، تجيير الموقف لصالح سلطات بلادهم، واعتباره ــ من خلال حربهم على تويتر ــ بأنه هزيمة جديدة للقناة عبر إقالة المدير الأخواني، فيما جرّبت وسائل الإعلام المملوكة لقطر تظهير الأمر على أنه «إجراء روتيني في المؤسسات المهنية التي تعتمد على التجديد في قرار إدارتها، وأن الاستقالة قدّمت قبلاً لثلاث مرات متتالية، آخرها العام الماضي لكنّها تزامنت مع احتدام الموقف ضد السعودية وبقية الدول الخليجية. لذا جمّد البت فيها كي لا يُفهم على أنه تغيير في المواقف نتيجة الضغوط».
هكذا، نشرت جريدة «القدس العربي» أخيراً مقتطفات من رسالة داخلية بعث بها أخيراً مدير «الجزيرة» الجديد إلى موظفيه أكّد فيها على التزام «قناة الرأي والرأي الآخر» في خطّها التحريري! في المقابل، اعتبرت تحليلات أخرى أن الموضوع يرتبط بتغييرات جذرية ستطرأ على خط القناة التحريري، بخاصة أنّه بعد الحصار المفروض عليها، لم تجد «الجزيرة» ـــ ومن ورائها الدوحة ــ بديلاً عن المهادنة مع إيران، وتوجيه سهام النقد ضد السعودية. كما خففت حدتها قليلاً تجاه سوريا، في نيّة لإعادة تموضعها السياسي. واعتبرت أنّ المرحلة الجديدة التي تدخلها الشبكة تتطلب الإطاحة بمجموعة من نجوم الفترة السابقة، لكن بطريقة مرضية مادياً بالنسبة إليهم. على أن يكون على رأس هؤلاء المذيعة خديجة بن قنة التي جمعتها صداقة وطيدة بالشيخة موزة آل ثاني زوجة الأمير السابق حمد بن خليفة. وبذلك، تتقلّص الوجوه التي كانت تمثل الخطاب السياسي الاخونجي للشبكة، مع ضخ دماء جديدة تخفف من الأعباء المالية على المؤسسة. إذ لا يمكن إغفال أنّ الأخيرة تعاني من أزمة مالية بسبب تضافر مجموعة أسباب، أوّلها اقتطاع عزمي بشارة المقرّب من الأمير تميم بن حمد نسبة كبيرة من مخصصات الإعلام في قطر لصالح مؤسسته الإعلامية، ثم البذخ على البنى التحتية استعداداً لاستضافة كأس العالم لكرة القدم سنة 2022، إلى جانب صرف مبالغ طائلة على التسليح.
هنا تكشف مصادر من داخل قناة الجزيرة لـ «الأخبار» أن آخر القرارات الإدارية في هذا الخصوص تمثلت في تقليص عدد الصحافيين العاملين فيها بنسبة 7 في المئة، بعيداً عما سبقه من تفنيشات فجائية لعدد كبير من موظفيها، وإلغاء إدارات، وتقليص قطاعات، إضافة إلى وضع المحطة الحالي العاجز عن سداد المستحقات المالية لصالح شركات الإنتاج التي تتفق معها على إنجاز برامج كاملة! وتضيف مصادرنا بلغة الأرقام لدعم ما تأتي به، فتفصح بأن «ميزانية «الجزيرة» لهذا العام والعام الماضي لم تتجاوز 50 مليون دولار أميركي. رقم متواضع قياساً بميزانيات السنوات السابقة، فيما يترتب عليها دفع حوالي 70 مليون دولار للشركات الخارجية، التي تنفذ لها حزمة من البرامج الدائمة على شاشاتها». وتنسجم هذه المعلومات مع ما قيل عن اعتصام كان يفترض أن يقيمه موظفو «الجزيرة إنكليزي» في لندن لمدة 24 ساعة، على خلفية عدم حصولهم على علاوة على مدى أربع سنوات، قبل أن يلغى الاعتصام على اثر تسوية جديدة مع القائمين على المحطة. في كل الأحوال، تقف «الجزيرة» اليوم أمام مفترق طرق يرتبط بشكل وثيق بسياسة قطر، وما ستؤول إليه لاحقاً. فهل يمكن القول بأن انعطافتها السياسية آتية لكنها تتخذ خطاً بيانياً متهملاً عساها لا تخسر ما تبقى لها من ماء الوجه، بعدما فقدت الكثير من مصداقيتها على خلفية الربيع المزعوم؟!