في المرحلة التي تسيّدت فيه الدراما السورية مشهد الفضاء العربي، كانت تنجز غالبيتها بمال خليجي، لتبدأ بالترنّح بمجرّد تخلّيه عنها. ومع اندلاع الحرب، هاجر عدد كبير من كوادرها، وتحوّل بعض نجومها إلى عارضي أزياء في الأعمال المشتركة، وأحياناً «سنّيدة» لنجمات لبنانيات لم يسبق أن حصدن إجماعاً على موهبتهن، إضافة إلى استثمار اللهجة السورية في أعمال الـ «بان أراب» التي لا تقول شيئاً! مع العلم أنّ هناك بعض الشركات السورية التي لا تزال معتصمة عند خيارها بإنجاز مسلسلات محلية خالصة، حتى لو لم يتم بيعها، على أن يتضمّن بعضها رسائل سياسية، ليس بالجوهر، إنّما بإمكانية دوران الكاميرا في شوارع العاصمة خلال سنوات متوترة جداً لم تتوقف الحياة فيها عن الاستمرار.لكن سنة بعد أخرى، ارتأت تلك الشركات أن تنجز مسلسلات لا تكتنز مقوّمات التسويق، كونها تعجز عنه، ولا تضم على قائمة أبطالها نجوماً «بيّاعين»، ولا تتبنى نوعاً هجيناً يعتمد خلطات لبنانية سورية مفتعلة. على هذا المنوال، أنتجت «سما الفن» مسلسل «وحدن» (تأليف ديانا كمال الدين، وإخراج نجدت أنزور ــ «سما» ــ بطولة نادين خوري، وفايز قزق، وسليم صبري، وسوسن ميخائيل، ولوريس قزق، ورشا بلال). أراد مخرج «الجوارح» أن يخلق صدمة للدراما السورية تخلّصها من سباتها الطويل، فارتأى مع كاتبته أن يعود لخيار الفانتازيا من خلال قصة افتراضية تتناول بطريقة متخيّلة قرية منفيّة تقع على الحدود السورية ــ اللبنانية. تقول الأسطورة إنّ هناك كنزاً دفيناً في هذه القرية، لا يمكن استخراجه إلا بعد التقاء 12 تميمة، لتبدأ رحلة البحث عن هذا الكنز. لكن المفاجأة هي التزامن اللافت بين ظهور كل علامة مع اختفاء رجل من القرية. هكذا، تكون رحلة البحث بمثابة مسلسل كوارث متلاحقة، إلى درجة لا يبقى في هذه القرية سوى الشيخ والقسيس، ومجموعة من النساء اللواتي يشكلن المحاور الرئيسية للحكاية. ومن هنا أتى عنوان «وحدن».
ينطلق «وهم» من قصص تجمّع سكاني بسيط، راصداً أحلام الشباب في الهجرة


من جانبها، أنتجت «المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني» مسلسل «وهم» (تأليف سليمان عبد العزيز، وإخراج محمد وقّاف ــ «الفضائية السورية» و«سوريا دراما» ــ بطولة صفاء سلطان ومحمد الأحمد). ينطلق العمل من قصص تجمّع سكاني بسيط، ويرصد أحلام الشباب السوري في الهجرة النهائية بعيداً من بلادهم بغية تأسيس حياتهم ومستقبلهم، على خلفية قصة حب تجمع محلّلة نفسية تعمل في الأمن الجنائي بمحقق في السلك الأمني نفسه! يبدو واضحاً من الفرضية الطوباوية حول وجود محلّلة نفسية في فرع أمني عربي، أنّ العمل قرّر أن يقدّم قصة متواضعة لجمهور محلّي عبر ما يتاح من شاشات رسمية.
وغالباً، يمكن اعتبار مسلسل «المهلّب» (تأليف وإخراج محمد لطفي، وإنتاج قنوات «أبو ظبي» التي ستعرضه ــ بطولة معتصم النهار) ضمن مسلسلات الصنف الثاني، لا سيّما أنّه ينجز وفق الطلب، على اعتبار أنّ المحطة الخليجية تبحث بـ «الفتيل والسراج» عن أيّ قصة تاريخية تحوي بطولة غابرة في حرب الأمويين ضد الفرس! المهلّب بن أبي صفرة الأزدي الذي عيّنه الحجّاج والياً على خرسان، ينتمي إلى قبيلة أزد اليمانية، وكانت قبيلته قد نزحت لتسكن شبه الجزيرة العربية، بما يفيد أنّ القائد الذي خاض حروباً مع سعد بن أبي وقّاص ضد الفرس ذو أصول إماراتية، وهو ما شجّع المحطّة على إنجاز عمل يعزّز فكرة وجود تاريخ لبلادهم! وسبب التوجّه إلى سوريا إنتاجي بحت، بحيث ينجز العمل بكلفة مادية أقل بكثير.
أما مسلسل «قسمة ونصيب» (تأليف بشّار مارديني، وإخراج عمار تميم ــ «تلفزيون فلسطين»، و«السومرية»، و«سوريا دراما»)، فصنع بمزاج تجاري وبوقت قياسي. العمل كوميدي «لايت»، تدور أحداثه في منتجع جبلي تديره «سلطان» مع «حنا»، يستقبل أزواجاً قرّروا قضاء ليلتهم الأولى فيه. هنا، تتوالى المفارقات الكوميدية المفترضة بما يخص الأحداث التي تدور بين الأزواج أو بين نزلاء المنتجع وأصحابه، خصوصاً أنّه محط أنظار أشخاص يحاولون الاستيلاء عليه.