تكثر الأمسيات الكلاسيكية في لبنان التي تقام في بيروت وأحياناً خارجها، إذ لا يخلو أسبوع من موعد أو أكثر. معظم هذه الأنشطة ليس فيها ما يستوجب النقد السلبي أو الإيجابي أو التشجيعي. فهي في الغالب مقبولة لناحية الأداء وكلاسيكية لناحية البرنامج، بالتالي فإنّها تتوجّه للهواة عموماً وتشكّل مدخلاً جيداً إلى عالم هذا النمط المغيَّب كلياً عن وسائل الإعلام المرئية والمسموعة… إلاّ في حال «خسرنا» شخصية سياسية أو دينية كبيرة. لكن في بعض الأحيان تحصل مفاجآت إيجابية، كأن نكتشف موهبة كبيرة مغمورة، أو أخرى سلبية، كأن يأتي الأداء دون الحد الأدنى المطلوب، كما حصل مع عازف البيانو الكندي، أنطوان ريفار ــ لاندري (21 عاماً) الذي حلّ ضيفاً على لبنان الأسبوع الماضي بدعوة من الكونسرفتوار الوطني، ليلاقي الأوركسترا الوطنية في الكونشرتو الثالث لبيتهوفن. الأمسية التي ضمّت أيضاً السمفونية الخامسة لتشايكوفسكي، استُهِلَّت بتحفة بيتهوفن الشهيرة التي تجمع البيانو بالأوركسترا. العمل شديد الشهرة، ومتوافر في الديسكوغرافيا الكلاسيكية بعشرات النسخ وبتوقيع كبار عازفي البيانو وقادة الأوركسترا في العالم. أضف إلى ذلك أنّه سهل المقاربة سمعياً، ويمكن «حفظه» بعد سماعه بضع مرات فقط. بعدما أنهى العازف الكندي الشاب تنفيذ العمل، صفّق له الجمهور طويلاً، وتطايرت الـ «برافو» في أرجاء كنيسة القديس يوسف في مونو (الأشرفية)، بعدما كان حظي بتصفيق أقل حدّة بعد الحركة الأولى (حيث لا يجوز التصفيق أصلاًِ). لكن، في الواقع، هذا التصفيق أتى للاحتفاء بواحدة من أردأ المرّات التي سمعنا فيها هذا الكونشرتو: أولاً، أخطاء (بالأخص في الحركة الثالثة) من عازف البيانو بالجملة، من النوع النافر الذي يأتي إما نتيجة ضعف تقني أو غياب المدونة الموسيقية لبرهة من الذهن (باعتبار أن في هذه الحالات لا يستخدم العازف المدونة، بل يحفظها غيباً). ثانياً، غياب شبه كلّي لفهم العمل بمجمله قبل تقديمه، إذ بدا الأداء أقرب إلى «تسميع» النوتات (كالفرق في الشعر بين القراءة والإلقاء)، وهذا ناتج عن قلة خبرة ومسيرة غير ناضجة بعد. ثالثاً، غياب التناغم والتوازن مع الأوركسترا، بالإضافة إلى الأخطاء (القليلة) التي أتت من عازفين في الأوركسترا. يمكن الكلام بعد عن نقاط ضعف أخرى في هذا الجانب من أمسية الأسبوع الماضي، لكن ذلك يحتاج إلى شروحات مطوّلة.نتناول اليوم هذه الأمسية للفت نظر القائمين على الكونسرفتوار تجاه عدم تكرار هكذا تجارب. فحتى لو كانت الأمسيات مجانية ولا مردود إلا معنوياً منها، يمكن دعوة أسماء عديدة لا تكلّف كثيراً وتغني السمع والتجربة الموسيقية عموماً في لبنان.
هذا الأسبوع، ثمّة أمسية بيانو منفرد، وهي بالاشتراك مع الكونسرفتوار، لكّنها من تنظيم معهد الـESA (كليمنصو). هكذا، تحيي عازفة البيانو الفرنسية دلفين باردان (الصورة) ريسيتالاً في المعهد، تؤدي خلاله برنامجاً ممتعاً جداً ومنوّعاً إلى حدّ ما، إذ يشمل عملاً (من عدة مقطوعات قصيرة) للمعلّم الألماني باخ، تليه السوناتة رقم 2 للبيانو للمواطنه من العصر الرومنطيقي شومان، والختام مع الفرنسي الإنطباعي كلود دوبوسي الذي اختارت باردان من ريبرتواره للبيانو بضعة مقطوعات بهدف إحياء المئوية الأولى لرحيله، التي يحتفل بها العالم هذه السنة.
من المتوقّع أن تقدّم دلفين باردان أمسية جيدة جداً، وبالأخص في ما يتعلّق بشومان ودوبوسي، إذ تبقى دائماً النتائج غير مكفولة في حقل باخ، حتى لعمالقة العزف على البيانو. ويشار إلى أنّ باردان كانت قد حازت أعلى تقدير من مجلة «ديابازون» الفرنسية على تسجيلها ديسكاً لفئة من أعمال البيانو المنفرد (barcarolles) للمؤلف الفرنسي غبريال فوريه. علماً بأنّ نتاجها المسجّل محدود جداً نسبياً، كما أنّها فازت في أكثر من مسابقة في العزف على البيانو (أبرزها المرتبة الأولى في مسابقة كلارا هاسكِل عام 1997).


ريسيتال بيانو تحييه دلفين باردان: بعد غدٍ الخميس ــ الساعة الثامنة والنصف مساءً ــ ESA (كليمنصو ــ بيروت). الدخول مجاني. للاستعلام: 01/373373