في قضية عالية الحساسية، تدخل فيها السياسة بالأمن والعمالة مع «إسرائيل»، ويلفّها غموض واضح في طريقة تعاطي الدولة معها، ترك الإعلام اللبناني كل قضايا بلاده، وحجّ إلى أدما (شمال بيروت)، حيث منزل المقدّم في الأمن الداخلي سوزان الحاج، بعد قرار تخلية سبيلها مقابل مليون ليرة لبنانية، وتحويلها إلى المحكمة العسكرية بتهمة «التدخّل في جريمة ارتكبها القرصان إيلي غبش». التعاطي الإعلامي أمس، لا يمكن وصفه إلا بالخفة وتقديم مشهدية تلفزيونية، ترقص فيها الحاج برفقة عائلتها على الأكتاف، كبطلة خرجت بريئة بعد 4 أشهر من السجن!خرق بسيط في التعاطي الإعلامي مع ملف سوزان الحاج، تمثّل بطرح بعض الأسئلة الملحّة والضرورية، ليكون الرأي العام على بيّنة مما يحصل في «جمهورية الموز» من فوضى وأحكام قضائية متلاحقة. على سبيل المثال، سألت «الجديد» في مقدمة نشرة أخبارها المسائية، إذا ما كانت هناك «أيادٍ لا تزال خفية وبعثرت في حريات الناس لمصلحة كسب المال»؟. كذلك فعلت lbci، عندما سألت بسخرية في مقدّمة نشرة أخبارها أيضاً: «هل يكون غبش قد فبرك نفسه لنفسه لإلحاق الضرر به؟». طبعاً، هذان السؤالان لم يشفعا لأداء لاحق في البث المباشر والتقارير الإخبارية. فقد بدا مضحكاً أداء مراسلة «الجديد»، ليال بو موسى، التي تعاملت مع الحدث كأنّه احتفال نصر مظلوم قضى في السجن أشهراً. عمدت المراسلة الشابة إلى التوجّه في رسالتها المباشرة من منزل الحاج، إلى المصّور لنقل أجواء «الفرح بعد ساعات انتظار». في رسالتها أمس، جزمت بو موسى، بأنّ المحتفلين في ذاك المكان، آتون من «القبيّات والكورة ومن كل لبنان». يبدو هنا أنّ «كل لبنان»، حجّ إلى «احتفال النصر» في منزل آل حبيش! بعدها، استقبلت ليال محامي الحاج، مارك حبقة، وسألته: «هل هذا الملف مفبرك؟»، ثم أردفت: «مين اللي عم يفبرك كلّ الملفات؟». أسئلة مشبوهة أيضاً، طرحها يزبك وهبة (lbci) في تقريره الإخباري عن الحاج، عندما سأل عن المدّة التي قضتها الحاج في السجن، وعن «صراع الأجهزة الأمنية التي راحت المقدم في الأمن الداخلي ضحيتها»!
لم تأخذ الشاشات المحلية مسافة مهنيّة من حبقة الذي تنقل بين مختلف الشاشات المحلية، ولم تجهد نفسها في طرح أسئلة الرأي العام، بل اكتفت في كثير من الأحيان بفتح الهواء له، ليؤكد «فتح صفحة جديدة في القضاء»، وبراءة موكّلته. عائلة الحاج حضرت أيضاً في التغطية التلفزيونية الطويلة. شاهدنا والدها يؤكد عبر otv مظلومية ابنته «المرأة الفولاذية»، عندما استصرحته لارا الهاشم، واعتبرت أنّه يعبّر عن «حرقة من طول الانتظار». زوج سوزان، زياد حبيش، أكد بدوره ثقته «بحكم البراءة»، عبر وسائل إعلام مختلفة. حتى أنّ بعض هذه المؤسسات تبارت في الدخول على خطّ رد الممثّل زياد عيتاني على قرار تخلية سبيل الحاج، وتوعّده إياها بالملاحقة القضائية. هنا، بدت اللعبة مسليّة، في عناوين تطايرت عبر الهواتف الذكية للبنانيين/ات، على شاكلة: «هكذا ردّ زوج المقدّم الحاج على زياد عيتاني».
في المحصّلة، برزت خفة عالية في التعاطي مع ملف حساس ودقيق، من قبل المحطات اللبنانية التي ملأت هواءها بتفاهات الاحتفالات وأجواء الفرح بعودة الحاج إلى منزلها في أدما، إلى جانب تظهير أكبر لرواية المظلومية للحاج، ولبراءتها، من دون الاكتراث إلى باقي الرواية، وهوية المتورّط والمذنب في قضية «عيتاني/ الحاج»!