باستثناء الشبه بينه وبين الشيخ سعد الدين الحريري، فإنّ الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز لا يشبه بيروت بشيء. إنه يشبه «الخير». هذا إذا سلمنا جدلاً أنّ الحريري يشبه بيروت هو الآخر، أو أنه يعرف الطرقات التي علّقت فيها اللافتات الأخيرة الشاكرة للسعودية حتى ينقطع النفس. ذات مرة، أخطأ الشيخ سعد في تعداد المناطق البيروتيّة على التلفزيون، رغم أنهم كتبوها له بوضوح. غالب الظن أنهم فعلوا، ورغم ذلك أخطأ (كما يفعل كل مرة حين يقرأ. وربما لذلك بدأ يغرّد). غير أنها أخطاء لغوية غير مفخخة، وتالياً غير قابلة للتفجير أو القتل. طبعاً، لم يكتب «تيار المستقبل» على لافتاته شكراً على الانتحاريين مثلاً. هو بات يستلهم فخامة الرئيس القائد ميشال سليمان، وينهل منه الشعارات الوطنية الكبيرة. كان الأخير أول المبتهجين بالهبة السعودية للجيش اللبناني، غير المشروطة إطلاقاً، إلى درجة أنّه كرر عبارة «شكراً خادم الحرمين الشريفين» عشرات المرات في خطابه للجرحى وضحايا الانفجارات (!) ويبدو أنّ هذا ما كرّسها في رأس «تيار المستقبل».
هكذا، وجد المستقبليون أنفسهم ملزمين بالمزايدة على الرئيس، في فرحهِ طبعاً، فعلّقوا على جدران بيروت لافتات «ملك الخير، مملكة الخير». والمفردة تبدو حجازيّة هي الأخرى، وغير مستعملة كثيراً في أدبيات اللبنانيين على هذا النحو الغريب. وبمعزلٍ عن مضمونها الملتبس الذي لا يوافق عليه نصف اللبنانيين، كما لا يوافق نصفهم الآخر على لافتات شكر رُفعت لإيران، فإن مفردة «الخير» تلصق عادةً بـ «فاعل الخير»، أي هذا الذي يمنّ على المتسوّلين وأصحاب الحاجة من المعدومين. حتى في السياسة، لم يكن أحد مضطراً، من الملهمين والمنفذين، إلى تصوير الأمور على هذا النحو الذليل إلى هذه الدرجة.
إنه ذلُ ــ بمعزل عن مضمونه المضحك ــ ينتشر على تلك اللافتات التي استأجرها التيار من بلديّة بيروت لمدة محددة، عملاً بمبدأ حرية التعبير، ولو كان التعبير يلامس التسول. ربما هذا يتخطى ديموقراطية الفرنسيين العريقة الذين ليس باستطاعتهم أن يقولوا شيئاً بدورهم، بعدما فعل رئيسهم أشياء مشابهة. وقد يستمر «الخير» لفترة طويلة، طالما أن الازمة في سوريا ممتدة. الخير السعودي قديم وإن كانت اللافتات جديدة. والحال أنّ الشبه بين خادم الحرمين الشريفين (معظمنا يظن أن هذا الاسم مزحة) ورئيس «تكتل لبنان أولاً»، متوارث ومتساوٍ على الجهتين. الملك يشبه والده واخوته وأولاد عمه، كذلك الشيخ سعد، الذي يشبه الطيبين في العائلة، من الشيخ أحمد صاحب الميول «الأسيريّة»، إلى نادر الذي يتولى مهمة الاتصال بمفتي الجمهوريّة لثنيه عن حضور تشييعات شهداء العائلة والثورة (ثورة الأرز)، وصولاً إلى الراحل رفيق الحريري، الذي كان يعرف في لبنان بين أوساط المواطنين العاديين بالـ«سعودي»، وكان اللقب مدعاة فخرٍ للراحل، ولم يبد منه أي تذمر أو اعتراض، بل على العكس. هكذا، تصبح اللافتة التي علّقها «تيار المستقبل» في بيروت، وذيّلها بتوقيعه الأزرق الفاتن، في كل الأزقة الممكنة، تحصيلاً حاصلاً، وشرح أسبابها لزوم ما يلزم. الشبه قائم على جميع المستويات بين التيار والأوصياء عليه في الحجاز، ولا نتحدث هنا عن مجرد شاربين في الوجه، بل عن سلوك يكاد يكون يومياً، وعلاقة سياسية بطريركية تربط مؤسسة آل الحريري الخيرية بمؤسسة آل سعود، الخيرية طبعاً، كما يقول البوستر العملاق الذي تعمد واضعوه أن يكون عملاقاً، على قياس أهمية المملكة وحضورها في يوميات اللبنانيين، خصوصاً بعد عمليات التفجير الأخيرة وماجد الماجد والخطاب الشهير لفخامة الرئيس، وشكراً لخادم الحرمين الشريفين!

يمكنك متابعة أحمد محسن عبر تويتر | @Ahmad_Mohsen