جاء معرض «البحث عن الحقيقة» بعد ورشة تصوير أقيمت في «دار المصوّر» خلال شهر نيسان (أبريل) الماضي. المعرض الذي انطلق في «دار النمر» قبل أيّام، انتقل إلى «دار المصوّر» بمشاركة 15 مصوراً ومصوّرة من لبنان وفلسطين وسوريا واليمن، خضعوا لورشة في التصوير الصحافي مع المصورين اللبنانيين رمزي حيدر ومروان نعماني، بالإضافة إلى غلن إدواردز من «معهد طومسون» البريطاني. تدرّب المشاركون على سرد القصص المصوّرة التوثيقيّة والصحافية، وعلى تقنيّات التصوير، كما اختاروا ثيمة المعرض التي تتمحور حول الهويّات الثقافيّة. ربّما لأن عنواناً كهذا، يتّسع لجميع وجهات النظر من البلدان المختلفة ولأفكار متعدّدة للمصورين الذين حرص المنظمون على اختيار بعضهم بخبرات سابقة وآخرين هواة.
إبراهيم عبدالرازق

رغم الحروب في اليمن وسوريا، تستطيع العدسات تصوير القصص التي لا تزال تمرّ في تلك البلدان، وبهذا تبتعد عن تصوير الحروب بشكل مباشر. أمّا فلسطين فتبقى محجوبة عن عدسة الكاميرا. نراها فقط من الجنوب اللبناني حيث يدبك أعضاء من فرقة «الكوفية للفنون الشعبية» التي تضمّ شابات وشباناً من المخيّمات الفلسطينية في لبنان. في سلسلته الفوتوغرافية، يعمل المصوّر الفلسطيني إبراهيم عبدالرازق على الحركة الجسدية للراقصين التي تقوم بالقفزات أحياناً، قبالة الحدود التي تقيّدها وتمنعها من الذهاب إلى البلاد. فلسطين في لبنان تقبع أيضاً في الفساتين المطرّزة التي تخيطها أم محمّد في مخيّم عين الحلوة في صيدا. المجموعة التي تحمل عنوان «التطريز الفلسطيني»، هي للمصوّر السوري أحمد زير الذي وفقّ بين اللقطات المقرّبة على التطريز والخيطان والمقصات وأدوات الخياطة، كما على بورتريهات لأم محمّد أثناء العمل. وفيما تتبع بعض القصص الفوتوغرافيّة سيراً لأشخاص ووجوه استثنائية، تركّز أخرى على مهن محدّدة أو أماكن. كلّ له أسلوبه في السرد أكان في اللقطات أم في المعلومات المرفقة في الصور والتي تمنح خلفيّة توثيقية عن المجموعات الفوتوغرافية.

نبيهة حجيج

من فلسطين إلى سوريا، تنتقل العدسات. تحوي أسواق الشام القديمة تناقضات تتلقّفها عدسة جعفر بكري المرعي. يجري المصوّر السوري في صوره الستّ مقارنة مباشرة بين مقهى «النوفرة» حيث الحكواتي يروي قصصه أمام جمهور من المستمعين، و«غاليري مصطفى» التي تستقبل شباباً يعزفون موسيقى الروك. ليس ما يتشابه به المكانان هو قدم حجارتهما وزخارفهما العربية والأمويّة القديمة فقط، بل إنهما على اختلافهما، يحملان نقاطاً مشتركة عثر عليها المرعي: المؤدي (الحكواتي ــ عازف الغيتار/ المغني)، والعرض (الحكاية ــ موسيقى الروك) وتفاعل جمهور المستمعين معهما بحماسة. ليس بعيداً عن المسجد الأموي في الشام، يقبع «حمّام الملك الظاهر» الذي عُمّر في القرن العاشر الميلادي.

رين شاهين

لم تحدّ الحرب من زيارات الرجال إليه، بل زادتها مع الظروف الصعبة وانقطاع المياه والكهرباء في العاصمة السوريّة. لا يلجأ حسن بلال إلى اللقطات التوثيقيّة المباشرة لتصوير العوالم الداخليّة للمكان. ثمّة اشتغال سينمائي على الكادرات المأخوذة بعناية، وتركيز على التفاصيل والإضاءة والتركيب الفنّي للصورة التي تحفظ روحيّة المكان لا ظاهره وفق لغة بصرية خاصّة. في صوره، يغتسل رجلان قبالة بعضهما كأن واحدهما مرآة للآخر. هنا يصعب معرفة الزمان على وجه التحديد، كما في لقطة للقباقيب الخشبيّة المخبأة في زوايا مخصّصة لها.
هكذا تراوغ بعض العدسات الأحداث الأساسيّة، فتنصرف نحو الحياة التي تستمرّ في أسواق الحلويات الشعبيّة في الشام خلال شهر رمضان في مجموعة للسوريّة سارة خضر التي اعتمدت التوثيق التقليدي مثل السورية لجين العرنجي في مجموعتها عن بعض الجمعيات السورية للفسيفساء والفن العجمي وغيرها. من اليمن، يشارك خمسة مصوّرين يظهرون غنى وتنوّعاً في اختيار المواضيع، رغم أنهم التقطوها خلال الحرب السعوديّة على اليمن. تدخل المصوّرة اليمنيّة إيمان العوّامي إلى الجلسات الخاصة للنساء، التي تصبح مهرباً من كلّ الضغوط اليوميّة التي تسبّبها الحرب. تركّز العوّامي في لقطاتها على التفاصيل الصغيرة لهذه اللقاءات التي تتم داخل المنازل، حيث تتضمن الغناء والموسيقى وتبادل الحكايات والبخور وتناول القات. هكذا تبقى وجوه الجالسات مخبأة لتظهر مقابلها أيدي العازفات، والطبول، والأبخرة وتفاصيل الجلسة الأخرى. من العقيق اليماني الذي يعدّ أحد أشهر الأحجار المستخدمة في الحلي، تنفذ المصوّرة أنغام الصرحي إلى مهنة صفاء ومجاهد في هذا المجال. علاقة مهنيّة محكومة برحلة صفاء العلاجيّة من سرطان الدم. صور الصرحي تعدّ بورتريهات مقرّبة عن هذه الأحجار وألوانها وأحجامها وأنواعها المختلفة، كما للمرأة والرجل اللذين يقضيان وقتهما مع العقيق.
أرفقت المجموعات الفوتوغرافية بنصوص سردية ومعلومات مختلفة تمنح الأعمال خلفيّة توثيقيّة


من اليمن يشارك الشاب عمر العبيدي بمجموعته اللافتة والمميّزة بصريّاً عن سمسرة سمينة، التي كانت منشأة تجاريّة في السابق وتحوّلت مع مرور الوقت إلى معالم تراثيةّ تقدّم فيها القهوة. لا يقدّم العبيدي صورة للمكان وحده، بل لعلاقة الناس والرجال معه. يلتقط لهم صوراً جماعية من الأعلى، بالإضافة إلى لقطات مقرّبة على بعض الرجال أمام أبوابه. من ناحيته، يختار اليمني ضياء الأديم قصّة تبدو خرافيّة في معصرة زيتون تدعى باب الحارة... لتأتي الصور السوريالية وتعزّز من هذا الانطباع.
بطل المعصرة هو جمل يعصر الزيتون، لكنه يجلس أحياناً مع الأولاد في الخارج. أما من لبنان، فاختارت رين شاهين أحد أوجه الإرث الثقافي في المنطقة أي تصنيع الآلات الموسيقيّة الشرقيّة من الرق والعود والسنطور. في حين بات كل شيء يستبدل بالماكينات، تضيء المصوّرة اللبنانية على التصنيع اليدوي لهذه الآلات الذي لا يزال أصحابه يتمسّكون به. تصوّر بعضاً ممّن يصرّون على اللجوء إلى التصنيع اليدوي، مركّزة بشكل أساسي على علاقة المصنعين الحسية والملموسة مع آلاتهم التي تظهّرها في معظم لقطاتها. عدسة نبيهة حجيج تلاحق نساء لبنانيات خارجات عن العرف، وفق عنوان مجموعتها.

أنغام الصرحي

هناك بورتريهات لأربع نسوة، اخترن أساليب حياة «مختلفة». واحدة تقود دراجتها الناريّة، وأخرى تقفز مع حصانها عن أحد الحواجز. أما رولا جواد، فقد اختارت الطقوس الرمضانية من المسحراتي إلى رقصات الدراويش التي لا تزال تُقام في بعض المناطق اللبنانّية منها مدينة صيدا. هكذا تنوّعت مواضيع القصص المصوّرة وأساليب السرد البصري بين الفوتوغرافيين المشاركين في المعرض. قدّم هؤلاء لمحات عن الموروثات الثقافية الغنيّة والمتنوّعة في المنطقة، رغم كل الحروب التي تشهدها.

* معرض «البحث عن الحقيقة»: حتى 27 تموز (يوليو) ــ «دار المصوّر» (الورديّة ــ بيروت). للاستعلام: 01/373347