نادراً ما نسمع بإنجازات النقابات الفنية في لبنان على اختلاف أعمالها ومهماتها. لكن عند بروز أيّ مشكلة في كواليسها، تطفو سريعاً إلى العلن، وهنا تكمن المفاجآت. هذا الأمر ينطبق على «نقابة الفنانين المحترفين» (تقع في حرش تابت في منطقة سن الفيل ـ بيروت) التي تشهد حالياً أزمة متعددة الأطراف مع انكشاف «الفضائح» أمام الصحافة. منذ تأسيسها عام 1993، كانت إنجازات النقابة التي يبلغ عدد المنتسبين إليها 810 (لغاية عام 2017)، قليلة مقارنة بالمهمات الكبيرة الموكلة إليها. مع العلم أن النقابة تتضمّن سبعة قطاعات (التمثيل، الموسيقى، الإخراج، الكتابة الدرامية، الرقص وغيرها) وتضمّ الفنانين الذين يمارسون المهن الفنية المذكورة، والمستوفين للشروط المحدّدة في قانونها.
(محمد نهاد علم الدين)

خلال الشهرين الماضيين، كثُر الكلام عن «نقابة الفنانين المحترفين» بسبب خلافات بين بعض أعضاء النقابة والممثلة سميرة بارودي (1955) التي كانت تشغل منصب «أمينة صندوق». خلال تلك الفترة أيضاً، أعلنت النقابة استقالة بارودي في بيان على صفحتها الفايسبوكية أوردت فيه: «قدّمت استقالتها من مجلس النقابة بناءً على طلب النقابة، لأسباب إدارية ومالية، وقد استجابت لهذا الأمر وقُبلت استقالتها». لاحقاً، تفاعلت القضية سريعاً، وربط بعضهم بين استقالة بارودي وما تردّد عن استقالة زوجها إحسان صادق باعتباره رئيساً للنقابة (انتخب رئيساً عام 2017)، لينتخب المجلس نقيباً جديداً هو الممثل جهاد الاطرش، فيما انتخب طوني كيوان نائباً له، وانتخب كل من: شادية زيتون (أمينة سر)، وعازف الكمان لبنان خليل (أمين صندوق)، والفنان علي رضا (أمين قسم الإعلام والعلاقات العامة)، والكاتب شكري أنيس فاخوري (أمين قسم الثقافة). منذ هذا الإعلان، شهدت قضية استقالة نجمة مسلسل «تانغو» (كتابة إياد أبو الشامات ــ إخراج رامي حنّا) تطوّرات مهمّة، كان آخرها ما كُشف عنه قبل يومين، وهو قرار ختم صندوق المحاسبة التابع لـ«نقابة الفنّانين المحترفين» بالشمع الأحمر. في هذا السياق، لا يمكن الحديث مع جهاد الأطرش حول وضع النقابة الحالي من دون العودة إلى الوراء، وشرح الدور الذي تلعبه النقابة. يقول الأطرش لـ«الأخبار»: «في البداية، كانت وزارة العمل وصية على النقابة، لكن قبل سنوات، طالب أعضاؤها بأن تتولى وزارة الثقافة تلك المهمات. بالفعل، هذا ما يحصل حالياً، إذ تشرف وزارة الثقافة على النقابة، وتجري الانتخابات فيها بحضور مندوب من الوزارة». يتوقف الأطرش عند إنجازات النقابة، قائلاً: «ناضلت النقابة ومجموعة كبيرة من الفنانين (رفيق علي أحمد، إحسان صادق....) من أجل إقرار "قانون تنظيم المهن الفنية" الصادر عن مجلس النوّاب الذي ينظّم المهن الفنية. كذلك، حاولت النقابة قدر الإمكان، أن ترعى شؤون أعضائها عبر صندوق التعاضد الخاص بها، إذ لديها أكثر من 800 فنان منتسب إليها، ففي لبنان أكثر من 200 فنان موزّعين على كافة المجالات، وهذا رقم لا يُستهان به. لا شك في حصول بعض التجاوزات داخل النقابة، فالكلّ يشكو والفوضى في البلد تعرقل تنظيمها. لكن لولا النقابة، لما وصلنا إلى صندوق التعاقد الموحَّد».
رغم كل هذا الشرح الطويل عن عمل النقابة و«إنجازاتها»، إلا أنّ الأطرش يتوقف فجأة عند الحديث عن قضية سميرة بارودي، بخاصة أن المسألة تفاعلت عندما أمرت قاضية الأمور المستعجلة في المتن ستيفاني صليبا أخيراً بختم صندوق المحاسبة بالشمع الأحمر. يعلّق الأطرش: «لقد كانت سميرة نقيبة في البداية لمدّة أربع سنوات، ثم لاحقاً تبوأت منصب نقيبة صندوق لأربع سنوات أخرى. عند انتخاب المجلس الجديد أخيراً، قرّر المجلس الاطلاع على الحسابات المالية للنقابة، ووجد فيه بعض التجاوزات الإدارية والمالية. هنا طلبنا من الممثلة اللبنانية تقديم استقالتها، وهذا ما قامت به». ويضيف النقيب: «هناك تشكيكات غير واضحة بالنسبة إلى بعض القضايا المالية، والقضية اليوم باتت في عهدة القضاء. أوّل من أمس، حضر الخبير القانوني إلى النقابة، لكنني لم أكن في النقابة بسبب ارتباطاتي، وكان لبنان خليل أمين الصندوق منشغلاً بحفلته التي سيحيها في مشغرة (البقاع الغربي)، لنفاجأ لاحقاً بختم الشمع الأحمر بسبب تغيّبنا. هذه الخطوة لن تعرقل البحث في الأمور المالية، بل إنّ فريقاً يتولى حالياً فحص المستندات لكتابة تقرير مالي قريباً، قد يصدر في القريب العاجل ويضع النقاط على الحروف».
قرّر المجلس الاطلاع على الحسابات المالية للنقابة

يختتم الأطرش كلامه: «لم تنكر بارودي تجاوزاتها في النقابة. وعندما أثارت ضجّة على مواقع التواصل، اضطررنا إلى الحديث علناً عن القضية. لقد عَذرنا وضع الفنان إحسان صادق الذي وقّع على استقالة زوجته سميرة». رغم الشرح الطويل الذي قدّمه الأطرش، إلا أن بارودي ترفض الحديث لـ«الأخبار» عن المشكلة القائمة. تكتفي بالقول: «أؤمن بالقضاء اللبناني، والقضية اليوم أمام المحاكم. لن يصدر منّي أيّ كلام في الاعلام، بل وكلت المحامي مارك حبقة لتولي القضية، وهو الوحيد المخوّل بالشرح. هناك حقائق لا يعرفها الإعلام، لكنها ستتكشف قريباً. كلّنا تحت سقف القانون». لكن عند سؤال بارودي عن العلاقة بين قضيتها واستقالة زوجها إحسان صادق من مهماته، تجيب: «قضية إحسان مختلفة عن قضيتي تماماً. النقابة استخدمت بدعة تحت ما يسمّى إعادة تغيير المهام، وهذا الأمر غير موجود في النقابة أصلاً. لم يستقل من منصبه، بل قدّم طعناً في تلك الخطوة، وعلى أثره جمّدت وزارة الثقافة (من تاريخ 5/7/2018) كل أعمال النقابة لحين صدور رأي مجلس الشورى الذي سيفصل بالمسألة». في هذا الإطار، يشرح حبقة الوضع في اتصال مع «الأخبار»، قائلاً: «قدّمت بارودي استقالتها بصفتها أمينة صندوق بعد الأخطاء الإدارية في طريقة قيد الحسابات. على هذا الأساس، تمّت تسوية القضية وقدمت موكلتي استقالتها. لكن لاحقاً، فوجئت بالضغط الذي مورس على زوجها لتقديم استقالته أيضاً. كذلك طلبت تعيين خبير لدى قاضي الأمور المستعجلة الذي كلّف أخيراً بختم الأوراق. لم يتمّ تسهيل الخبير بحجة عدم وجود الموظفين في النقابة، فصدر قرار بختم صندوق المحاسبة منعاً للتلاعب بأوراق المحاسبة». يختتم المحامي كلامه: «للأسف يجري حالياً تصوير بارودي على أنها شخص مجرم ومختلس، ونحن في صدد تقديم دعوى جزائية قدح وذمّ ضدّ من يروّج لتلك التهم». إذاً، تشهد «نقابة الفنانين المحترفين» «معركة» يبدو أنها ستكون طويلة، وتتوالى فصول فضائحها يوماً تلو آخر، تناسقاً مع كل ما يجري في هذا البلد!