منذ أن وقع فؤاد حميرة كتاب «حوادث دمشق اليومية» للبُدَيري الحلاق، تغيّر شكل الدراما الشامية (الأخبار 5/4/2012). بالاعتماد على هذا الكتاب، أنجز السيناريست السوري أربعة أجزاء من مسلسل «الحصرم الشامي» الذي أخرجه سيف الدين السبيعي. كان العمل بمثابة شكل جديد لهذا النوع الدرامي خلط بين الحكاية الممتعة والتوثيق لتاريخ أقدم عاصمة في التاريخ، بعيداً عن الروايات الافتراضية، ودروس الرجولة المصطنعة التي ارتكزت عليها أعمال الفانتازيا الشامية.
في الموسم الماضي، عاد المخرج المثنى صبح إلى الحقبة ذاتها التي تناولها «الحصرم الشامي»، وقدّم «ياسمين عتيق» (تأليف رضوان شبلي)، حيث حاول جذب المشاهد بصورة مبهرة وأزياء جديدة. رغم أن بعض الأصوات تعالت متهمةً العمل بالتشابه الكبير مع أحد أجزاء «الحصرم الشامي»، إلا أنّ صبح رأى أن «التاريخ ملك للجميع ومسلسله قدّم قصة ورؤية مختلفتين، وكان بمثابة نقلة نوعية على صعيد الإبهار البصري والشكل الجديد». لم يكتف صبح بتقديم هذا العمل فقط في الموسم الماضي، بل قدّم عملاً اجتماعياً معاصراً هو «سكر وسط» (تأليف مازن طه)، حيث حكى عن دمشق قبل الأزمة وأسباب الأخيرة، وغاص في مشكلة انهيار الطبقة الوسطى السورية.
وفي رمضان 2014، يسير صاحب «على حافة الهاوية» على الدرب ذاته؛ إذ يستعد لتصوير مسلسل «بواب الريح»، حيث نشاهد دمشق في النصف الثاني من القرن التاسع عشر رغم رفض كاتب النصّ خلدون قتلان تصنيف مسلسله بأنّه دراما بيئة شامية، على اعتبار أنه يحكي قصصاً تاريخية ويتطرق إلى شخصيات واقعية تركت أثراً في ذلك الزمن، كشخصية الأمير عبد القادر الجزائري، والأب يوسف الحداد، وشمدين آغا... يحاول المسلسل توثيق فتنة عام 1860 التي امتدت من جبل لبنان إلى الشام، وتركت آثارها على تركيبة المجتمع الدمشقي، كاشفةً عن مؤامرة افتعلها العثمانيون وتغاضى عنها الفرنسيون: إفقاد دمشق مركزها الريادي في صناعة الحرير في تلك الحقبة. مع ذلك، يكفي أن يحكي العمل عن دمشق، حتى يصنّفه الجمهور والنقاد ضمن خانة الدراما الشامية. وقد استوحى قتلان اسم العمل من «بوابات دمشق السبع التي لا تغلق مهما عصفت بها الريح». في حديثه لـ«الأخبار»، يؤكد مخرج العمل المثنى صبح أن كاميراته ستدور اليوم الاثنين في حارات دمشق، حيث سيصوّر العمل كاملاً. يوضح أنه يصرّ على أن يكون «بواب الريح» (إنتاج «سما الفن») هو المسلسل الرابع الذي يصوّره في دمشق بعد الأزمة، مصرّاً على البقاء في عاصمة الأمويين وإنجاز مسلسلاته فيها. رغم ما يحمله الأمر من مغامرة في ظلّ الظروف الأمنية المتردية، إلا أنّ صبح يرى أن «الخطر موجود في كل مكان، والموت سيأتينا في ساعته ولو كنّا في أبراج مشيّدة. كذلك فإنّ مجرد التفكير بالابتعاد عن دمشق يحمل جرعات مفرطة من الغربة ولا أريد لهذا الشعور أن يسيطر علي».
من جانب آخر، يستبعد صاحب «جلسات نسائية» أن تلاحقه انتقادات عن تأطير عمله في نوع واحد بعد هذه التجربة؛ لأنه يرى أنّ «العمل يقدّم رؤية وشكلاً جديداً يختلفان عما قدمه في «ياسمين عتيق»». كذلك يعد الجمهور بتقديم المزيد من الإبهار والامتاع البصري. أما عن سبب اللجوء إلى المرحلة التاريخية التي يتطرّق إليها المسلسل، وغوصه في حكاية التآمر العثماني الفرنسي على تجار الشام، فيجيب صبح قائلاً: «اعتدنا تقديم الدراما الشامية ضمن إطار زمني. سمة المرحلة التي أراد الكاتب معالجتها هي الفتنة التي وقعت في تلك الحقبة وكانت ذات محرّكات داخلية وخارجية في الغالب، وهو ما يمكن إسقاطه على الراهن السوري، وهذا ما جعل اختيار المرحلة الزمنية مناسباً لتقديمها في هذا الوقت». ويرى أنّ «دمشق مدينة كانت في مهبّ المؤامرات على مرّ الزمن، وتاريخها غنيّ بالحكايات المشوّقة التي تحمل المتعة والفائدة للمشاهد». وعن إمكانية توثيق هذا التاريخ، يجيب: «القصة التي يطرحها المسلسل تنطلق من مجموعة قليلة من الشخصيات الحقيقية، لكنها في موازاة ذلك تقدّم حكاية متخيلة بناها الكاتب بالتقاطع مع الشخصيات الحقيقية». ويوضح قائلاً: «قد يكون «بواب الريح» حالة بحث إبداعية في تاريخ مدينة الياسمين للوصول إلى صيغة إسقاطية تلامس الظروف الآنية من خلال تاريخ غني بحالات مشابهة». في السياق نفسه، وافق الممثل سلوم حداد على تجسيد بطولة العمل الذي سيعرض في رمضان المقبل، مجسداً دور يوسف النحاس. هكذا، يكون المسلسل الشامي فرصةً لعودة حداد إلى الدراما السورية، بعدما غادر بلاده قبل نحو عام ونصف عام وتفرغ لإخراج المسلسل الخليجي «القياضة» في الموسم الماضي. وسيكون إلى جانبه في البطولة كل من غسان مسعود، سليم صبري، نجاح سفكوني، إمارات رزق، وضحى الدبس.




تلك هي سوريا الجديدة؟

تناقلت وسائل الإعلام السورية والعربية قبل أيام، خبراً مفاده بأنّ الممثل السوري فارس الحلو، رفض المشاركة في مسلسل يصوّر خارج سوريا، لأنّه ضمّ فنانين معروفين بتأييدهم للنظام السوري، وعلى رأسهم مصطفى الخاني. ولم يجرِ التأكّد مما إذا كان الخبر صحيحاً، أم أنّه يأتي ضمن حملة الشائعات التي تنتشر أخيراً عن الفنانين السوريين. علماً أنّ الحلو اشتهر بمواقفه الداعمة لـ «الثورة» السورية منذ نشوبها، وشارك في تظاهرات عدّة. وكان نجم «عيلة خمس نجوم» قد غادر وطنه قبل فترة، برفقة زوجته الممثلة سلافة عويشق، وابنتيه، بعد سلسلة مضايقات تعرّضوا لها، لكن يبقى السؤال: أيّ مستقبل ينتظر الدراما السورية في ظلّ هذا الانقسام الحادّ الذي يعيشه نجومها؟