يفتتح الراقص والكوريغراف اللبناني عرضه الجديد في 29 و30 أيلول (سبتمبر) المقبل في روما، على أن تتبعه جولة أوروبية، إلى أن يصل إلى بيروت العام المقبل. في «مئذنة»، ينفذ راجح إلى الحرب السورية عبر أحد أشهر نصب في مدينة حلب، بقيمته الثقافيّة والسياسيّة والدينيّة والتاريخيّة. يقترح الحركة كوسيلة للرفض. لكنها حركة قائمة على تفكيك أجساد الراقصين الستّة الآتين من الأرجنتين ولبنان وكوريا الجنوبيّة وألمانية، ترافقها وسائط أخرى مثل الموسيقى والفيديو وطائرة درون ستحلّق مع الحاضرين في القاعة.أنهى عمر راجح أخيراً التمرينات النهائيّة لعمله «مئذنة» الذي تفتتح عروضه في «مهرجان روما أوروبا» في العاصمة الإيطاليّة في 29 و30 أيلول (سبتمبر) المقبل. الجولة الأولى من العروض تتركّز في الدول الأوروبيّة على أن ينتقل العام المقبل إلى بيروت. قبيل الافتتاح في روما الشهر المقبل، عرض العمل الذي يتخذ من مئذنة الجامع الكبير في حلب اسماً له، على ملتقى «تانزميسي» للرقص المعاصر في دوسلدورف الألمانيّة أمس للمرّة الأولى حيث قدِّم أمام راقصين ومتخصّصين في الرقص المعاصر ومدراء مهرجانات، كما سيقدم لليلة واحدة في مهرجان One Dance Week Festival في بلغاريا على أن ينتقل بعد روما إلى وارسو ثم إلى ألمانيا مجدّداً. قبل كل ذلك، يخبرنا عمر راجح عن عرضه الجديد وفكرته. في آخر أعماله «بيتنا» (2016)، جمع الراقص والكوريغراف اللبناني راقصين من كلّ العالم على طاولة طعام أعدّتها أمّه، تلاقت عليها خلفيّاتهم الثقافية والراقصة. يدعو راجح راقصيه الستة هذه المرّة، من الأرجنتين وكوريا الجنوبية وألمانيا وإسبانيا إلى وليمة الخراب في مدينة حلب ومعاركها الطويلة التي اخترق سيل صورها شاشاتنا.

هل تقترن الرؤية أو الشهادة على أحداث كهذه بالذنب، أو بالمسؤوليّة؟ يقايض الضحايا الذنب بأرواحهم عادة. أما المتفرّجون، فلم يعثروا على بديل أبعد مما تتيحه لهم الخيارات التفاعلية على هذه الوسائل. غير أن أسئلة راجح، تتركّز على موقع الفنان في تعامله مع مدينة متهاوية بأكملها، موقظة بذلك تساؤلات أخرى مزمنة حول جدوى وفعالية الفن في وجه الحروب، ودوره ومسؤوليّته. أسئلة لم تغب عن بعض أعماله السابقة حول حرب بلاده الأهلية ومآزقها اللاحقة مثل «بيروت صفرا» (2002) و«حرب ع البلكون» (2003) وصولاً إلى «اغتيال عمر راجح» (2009). لا يخفي راجح الهواجس الأولى التي رافقت المشروع. يخبرنا أن العرض بالنسبة إليه كان بمثابة رفض لموقع الضحيّة الدائم، في محاولة للتعامل مع ما يجري ورفضه. يستلهم عرضه من وقائع كثيرة أبرزها الصور الفوتوغرافية التي تبثّها الشاشات طوال الوقت، والتي ظهّرت كل الحروب، كما يقول، مثل ساراييفو أو بيروت. والأهم مئذنة الجامع الكبير في حلب القديمة (عمّر عام 1090 م) التي تمنح اسمها للعرض. اختيار المئذنة التي أسقطتها القذائف عام 2013، أتى من كونها نصباً رمزياً لعاصمة الشمال السوري، تختصر أوجهها الكثيرة وطبقاتها الثقافية والتاريخية والسياسية والدينية والحضارية والاجتماعيّة. الفكرة تزامنت مع ذروة الأحداث في الحرب السورية. لكن راجح بدأ العمل على المشروع منذ كانون الأول (ديسمبر) الماضي في بيروت. انتقل بعدها إلى مدن عدّة لإكمال العمل على مراحل. الاعتراض على اختفاء مدينة بأكملها، بالنسبة إلى راقص ومصمّم كعمر راجح، سيكون عبر الحركة والجسد بالتأكيد. لكن كيف سيقارب هذا الدمار والموت حركيّاً؟ كيف ستتلقّى الأجساد كلّ هذا العنف وتتصدّى له؟ لا يعتقد راجح أن صور العنف التي تمرّ برؤوسنا كلّ يوم، تفارقنا. «هذه الصور لا تغادرنا، بل تترك أثرها حتى بعد انقضاء النظر إليها، أقلّه عبر الذاكرة» يضيف. على صعيد التصميم، تتقاطع الثيمة مع بحث عملي بدأه راجح منذ 2011، كما يخبرنا، حول «كيفيّة كسر أحاديّة الجسد ومركزه ومحوريّة أي عضو من الأعضاء على حساب الآخر»، مضيفاً «في العرض أتعامل مع الجسد على أنه مجموعة أعضاء لا أفضليّة لأحدها على الآخر.
كيف سيترجم الاعتراض على اختفاء مدينة عبر الحركة والجسد؟


لقد صمّمت العرض على أساس توزّع الجسد على وحدات وأعضاء، وحواريتها كل مع الآخر قد تقوم على التنافر أو التلاقي». يؤكّد الفنان أن عمله لن يغرق بما هو مباشر أو يقتصر على ما هو متعلّق في الحرب فحسب، إذ إن «هذه الصور تشرّع الجسد على احتماليات حركيّة لا نهائيّة». سيؤدّي العرض ستة راقصين على المسرح هم الكوري الجنوبي مونسوك تشوي، والأرجنتينيّة باميلا خضر، والألمانيّة أنطونيا كروشل واللبنانيون تشارلي برينس وميا حبيس وراجح.
لكنه، كما في معظم عروضه كـ «وتدور» (2013)، و«بيتنا» (2016) يولي اهتماماً للسينوغرافيا ووسائط أخرى سترافق الراقصين على المسرح. أول المشاركين هي طائرة درون (Drone) سيتحكّم بها الممثّل اللبناني هادي أبو عيّاش، يعتبرها راجح أحد الراقصين أيضاً، لدورها وعلاقتها مع أجساد الراقصين، كما أنها ستنقل اللقطات مباشرة على شاشة مثبتة على المسرح (فيديو إيغور غاما).
أمامها سيؤدي الراقصون حركاتهم ضمن صولوهات وأخرى تجمع في ما بينهم أو بعضهم. الموسيقى الحيّة حاضرة أيضاً في العمل، وفيها وضعت الإحالة الكاملة إلى مدينة حلب، إذ تتضمن أنماطاً من التراث الموسيقي كالقدود والمولد والتجويد وغيرها من الأصوات التي تستحضر إرث المدينة الشمالية، وتحمل توقيع الموسيقى التي ألّفها عازف العود اللبناني محمود تركماني والإسباني بابلو بالاسيو اللذان سيقدمان عزفاً حياً على المسرح، بمشاركة عازف العود اللبناني زياد الأحمديّة، إلى جانب عازف الإيقاع الألماني جوس تيرنبل.

«مئذنة» لعمر راجح:
عرض Avant-Premiere في مهرجان One Dance Week في بلغاريا ــ 21 أيلول (سبتمبر).
الافتتاح في «مهرجان روما أوروبا» في روما ــ 29 و30 أيلول.
مهرجان Cialo Umysl في وارسو ــ 2 تشرين الأوّل (أكتوبر).
عرض في فضاء Tafelhalle في نورنبرغ ــ 5 تشرين الأوّل.



ماذا عن «سيترن بيروت»؟
عام 2017، شهد «مهرجان بيروت الدولي للرقص المعاصر» تغييراً لافتاً تمثّل بتقديم كل العروض داخل فضاء متنقّل ومصنوع من الفولاذ أطلق عليه «سيتيرن بيروت» (خزان بيروت). حلم قديم حققته فرقة «مقامات» لدورة واحدة فقط، ضمن رؤيتها وسعيها إلى تدشين فضاء للرقص في بيروت يتضمّن أيضاً صالات ومسارح ومكاتب مختلفة، مجهّزة لاحتضان كل الفنون الأدائية المعاصرة. لم تستطع الفرقة هذه السنة أن تبني المكان مرّة جديدة خلال المهرجان بسبب غياب الدعم المادي، على أن يتمّ افتتاح «سيتيرن بيروت» كمكان ثابت هذه السنة كما وعد عمر راجح ومبا حبيس في مؤتمر الإعلان عن «بايبود» في نيسان (أبريل) الفائت. عند سؤاله عن موعد الافتتاح، لم يكن لدى راجح جواب محدّد بسبب تهرّب بلديّة بيروت من مهمّة تقديم الدعم، والمماطلة في التعاون على إنجاز صرح ثقافي في بيروت، رغم أن الشقّ الأصعب تولّته الفرقة بتأمينها رقعة أرض في بيروت، ورغم حماسة البلديّة اللافتة في الفترة الأخيرة لتزين المدينة التي كلّفتها مبلغاً يقدّر بمليوني دولار أميركي لمدّة عامين.