القاهرة | قبل أسبوعين، اعتقد فريق من العلماء في «جامعة كوينزلاند» و«معهد نييل» في أستراليا أنه وصل أخيراً إلى حل المعضلة التي حيرت البشر منذ بدأوا التفكير. قرر الفريق العلمي أن الدجاجة لم تأت قبل البيضة، والبيضة لم تكن قبل الدجاجة، بل كلاهما، وفقاً لفيزياء الكم، قد ظهراً إلى الوجود في آن معاً. جاء «الكشف» العلمي بعد أسبوع واحد من التصديق الرسمي المصري على قانون تنظيم الصحافة والإعلام. العلاقة؟ ثمة مشكلة «بيضة-دجاجة» شهيرة جداً في عالم الصحافة المصرية، إذ يفرض القانون على من يمارس مهنة الصحافة أن يكون أولاً عضواً في نقابة الصحافيين، ويعاقب من لا يلتزم بذلك بتوجيه اتهام «منتحل الصفة» إليه، بينما في المقابل، يفرض قانون نقابة الصحافيين على المتقدم لعضويتها أن يكون أولاً ممارساً لمهنة الصحافة، بل ومتعاقداً مع إحدى المؤسسات!هذه المشكلة، ذلك البرزخ السري الذي ينبغي للممارس الجديد للصحافة في مصر أن يختبئ فيه من أحد القانونين إلى أن يحصل على الصفة القانونية، لم يجد حلاً في القانون الجديد، الذي تركزت التغطية الإعلامية المصاحبة له ــ عن حق ـــ على التوسع في رقابة الإعلام، وتقنين حجب وملاحقة حتى صفحات التواصل الاجتماعي. والواقع أن القوانين الإعلامية المصرية كان قد أكلها القِدم، بعض موادها العتيقة تشترط أموراً على غرار «عضوية الاتحاد الاشتراكي» وغيرها من الكيانات المنقرضة، فضلاً عن أنها لا تعترف سوى بالصحافة الورقية في زمن كادت فيه تلك الأخيرة تلحق بمصير «التلغراف»، وصارت فيه النسبة شبه الغالبة من الصحافيين الشبان ممن لم يعملوا «بالورق» يوماً، وإنما أطلوا على العالم عبر وسيط الإنترنت والمواقع الإلكترونية.
هكذا، كان بصيص الضوء الخافت الذي لمحته هذه الأجيال من الصحافيين في القانون الجديد، يطل من مواده التي تعرّف الصحف الإلكترونية، والصحافيين الإلكترونيين (إذا جاز التعبير). وبغض النظر عن النية خلف مواد القانون ـــ رقابة في نظر البعض أو تنظيماً في نظر البعض أو مواكبة للعصر في نظر آخرين ــ إلا أنّ القانون صار أخيراً يعترف –مبدئياً – بوجود الصحافة الإلكترونية – في وجودها المجرد لا ملحقة بمؤسسة ورقيةــ ومن ثم بالصحافيين العاملين فيها.
غير أن الصحافيين الشبان أولئك، العاملين في مواقع الانترنت والصحف الإلكترونية، سرعان ما اصطدموا بـ «دجاجتهم» الخاصة، إذ يفرض القانون الجديد على الصحيفة الإلكترونية شروطاً معينة مالية وتحريرية، لكنه – حتى بعد الالتزام بتلك الشروط- لا يفرض على نقابة الصحافيين قبول هؤلاء العاملين في الصحف الإلكترونية. عاد هؤلاء الصحافيون إذاً إلى النقطة صفر، ليعتبرهم القانون «صحافيين» لا بد من عضوية النقابة، بينما النقابة لا تقبلهم، حتى الآن. الفارق، الوحيد، أنهم كانوا، قبل القانون الجديد، يمكنهم تأسيس أي موقع من دون أن يطلقوا عليه صفة صحافية. الآن، لا بد لهم من أن يلتزموا بالشروط كي لا يتم حجب موقعهم، بينما ما زالت النقابة توصد أبوابها في وجوههم.
ليس الحال مظلماً تماماً، أعلنت نقابة الصحافيين، بمجلسها الموصوف بأنه أقرب إلى الحكومة، نيتها تعديل القانون ليقبل الصحافيين الإلكترونيين. لكن تعديل قانون النقابة، ظل دائماً نقطة الخوف الأكبر لدى الصحافيين المستقلين، فهو- على بدائيته- يمنح الصحافي حصانة لا بأس بها ويمنع إسقاط عضوية النقابة عنه بأي قرار من خارجها. يخشى صحافيون أن يكون «تحديث» القانون بوابة لتعديلات أخرى قد تعصف باستقلال النقابة، خصوصاً أن أحد تلك التعديلات المقترحة، هو مد فترة النقيب لأربع سنوات بدلاً من عامين. بداية أخافت كثيرين، مما قد يدفعهم لرفض تعديلات القانون برمتها. وفي انتظار تلك التعديلات القانونية، ينشر الصحافيون الإلكترونيون في مواقعهم أخبار الصراع النقابي، دون أن يكون لهم حق الدخول من بوابة «نقابتهم».