قدّ يعدّ تدشين أي مهرجان التتويج الأخير الذي يخفي خلفه جهوداً مضنية، ورسائل وأهدافاً، يريد المنظمون إيصالها إلى الجمهور المستهدف. مشهدية تنطبق على «مهرجان الحكاية والموسيقى» (27-29 أيلول/ سبتمبر)، الذي يعدّ ثمرة جهود أطراف عدة: «جمعية السبيل»، «مؤسسة التعاون»، و«مؤسسة كامل الأزعر». من «المهرجان الدولي للحكاية الشفهية والمونودراما» المخصص منذ عام 2000 للحكاية الشفهية والتراثية العابرة للحدود، مروراً بـ «مهرجان حرش بيروت»، الذي خصّصت دورته السابعة مساحة للأدب الشفوي، وصولاً إلى اليوم، مع انطلاق الدورة الأولى من «مهرجان الحكاية والموسيقى» بعنوان «حكايتنا حكاية».... خيط واحد يجمع هذه الجهود، وهدف واحد أيضاً: الحفاظ على التراث الشفوي، والحكاية التراثية الشعبية، التي تربط البشر بمحيطهم وتعزّز خصوصياتهم. ثلاثة أيام سيكون خلالها اللبنانيون/ات، وغير اللبنانيين، على موعد مع هذه التظاهرة الثقافية الغنية، التي تمتّد من صور إلى بيروت فطرابلس، وتطال كل الفئات الميسورة والمهمشة (أطفال مخيمات اللجوء الفلسطيني). من مصر، وفلسطين، ولبنان، حكواتيون وحكواتيات، منهم المخضرمون ومنهم الشباب، سيجتمعون معاً في هذا المهرجان ليقدموا عروضاً مسائية وصباحية، كذلك، سينضم بعضهم إلى طاولات نقاش تعقد على ضوء المتغيرات الزمنية والمكانية للقصص الشعبية.
جهاد درويش سيتحدث عن أهمية «الحكي» اليوم

منسق الأنشطة الثقافية للمهرجان محمد ظاهر، يخبرنا عن عملية التحضير لهذه الفعالية، التي امتدت على عامين، من خلال إقامة دورات مكثفة في «تجهيز حكواتيين»، بغية الحفاظ على هذا الأدب تواتراً بين الأجيال، لا سيما الجيل الشاب الذي تخرّجت منه أسماء باتت تشارك في المهرجانات العربية، وتقدم عروضاً حكواتية. وأخيراً، توِّجت هذه الدورات بمهرجان كبير، يجمع أقطاباً عربية مختلفة، تتشارك الحكايا الشعبية، ويجمعها همّ المحافظة على هذا الفن وحمايته من الاندثار للأجيال القادمة.
في المقاهي الشعبية، والأماكن العامة، والمجالس حيث ولد «الحكواتي»، وانتقل بعدها إلى المسارح، كحرفة تحتاج إلى موهبة وتقنيات مكتسبة، أراد منظمو المهرجان أيضاً، كسر هذه الخاصية، عبر الدخول إلى مخيمات اللجوء الفلسطينية، مع عروض مجانية للأطفال، يشارك فيها حكواتيون: شمالاً في مخيم «البداوي» (27/9 ــ س:10:00) وتحديداً في «مكتبة غسان كنفاني»، وجنوباً في مخيم «برج الشمالي» (صور ـ 29 /9 ـــ س:10:00)، في «مكتبة سهيل الصبّاغ». يشرح لنا ظاهر أنّ الهدف هو إدخال نمط جديد من الفنون على المخيم، كما استهداف الفئات المهمشة والفقيرة. ومن المخيمات الضيقة، إلى رحاب الطاولات المستديرة. يتضمن المهرجان طاولة نقاش بعنوان: «الحكاية والذاكرة» (28/9 ـ س:11:00)، في «المكتبة العامة لبلدية بيروت» (الباشورة) يشارك فيها كل من شيخ الحكواتيين اللبناني جهاد درويش الذي سيتحدث عن «لماذا من الضروري أن نحكي اليوم؟»، ومعتزّ دجاني الذي سيسرد التاريخ الشفوي «بين التعلّم والتعبير» على ضوء التجربة الفلسطينية، إلى جانب الكاتبة نجلاء جريصاتي خوري، صاحبة تجربة خاصة في هذا المجال، من خلال جمعها الحكايا الشعبية، وتشريحها نقدياً بين الحاضر والماضي. هنا، تقدم خوري مداخلة عن «الحكاية الشعبية وتحدي الحياة الحديثة»، أما الأكاديمية مارلين حيدر نجار (الجامعة اللبنانية)، فستتحدث عن أهمية الحفاظ على التراث الشفوي كـ«تجربة وحلّ». يلي ذلك، ثلاثة عروض، ستقام في ثلاثة أماكن مختلفة، مع البرنامج عينه. في «دار النمر» (28/9 ـ س: 18:00-كليمنصو)، و«بيت الفن» (27/9 ـ س: 18:00-طرابلس)، و«مركز المطالعة والتنشيط الثقافي» (29/9 ـ س: 17:00-صور)، سيشارك فيها درويش، وعارفة عبد الرسول (مصر)، وخزامة جوهري (لبنان)، وخالد نعنع (فلسطين)، ونجوى مزهر (لبنان)، وسليم السوسي (فلسطين)، وتترافق مع إيقاعات موسيقية، إذ ستقوم سناء شبّاني، بمشاركتهم عبر العزف على الناي. يشرح لنا ظاهر، العلاقة بين الحكاية الشعبية والموسيقى لا سيّما التقليدية منها، وتلازمهما. إذاً، تلملم العروض تراث بلاد الشام، إلى جانب التراث المصري، وتبرز خصوصية كل بلد في نسج لعبة الحكايا والخيال، وتطال كل الناس مجاناً. ينتظر منظمو «مهرجان الحكاية والموسيقى»، أن تعيد هذه التظاهرة إحياء الفن الشعبي، واعادة الاعتبار إلى بلاد الأرز، في احتضانه لهذا الفن، من خلال تحوّله إلى مساحة للالتقاء، بين حكواتيين/ ات من الخارج، على أن يعمل مستقبلاً على زيادة أيام المهرجان وتوسيع بقعة المناطق لتطال فئات إضافية.

* «مهرجان الحكاية والموسيقى»: بدءاً من اليوم حتى 29 أيلول (سبتمبر) ـــ فضاءات مختلفة من لبنان ــ الدعوة عامة ومجانية- للاستعلام: 01/664647


إسرائيل «تحتجز» حمزة العقرباوي
كان يُفترض أن يحلّ الحكواتي الفلسطيني حمزة العقرباوي، ضيفاً على «مهرجان الحكاية والموسيقى»، لكن سلطات الاحتلال الإسرائيلي منعته من المجيء إلى العاصمة اللبنانية آتياً من الضفة الغربية. غيابه القسري عن المهرجان، ستغيّب معه تجربته في الأدب الشفوي، هو الذي جمع الموروثات الشعبية في الحياة اليومية الفلسطينية، من أمثال وأهازيج، ومعتقدات شعبية، بغية إعادة ربط الناس بالمكان وبالجغرافيا. وسيستعاض عن هذا الغياب -تبعاً للمنظمين- بمداخلة مباشرة للحكواتي الفلسطيني عبر «سكايب»، أو من خلال عرض فيديو قصير مسجّل له (مدته دقيقة واحدة)، يتحدث فيه أمام المشاركين في المهرجان.


شيخ الحكواتيين
لجهاد درويش (1951) باع طويل في أغوار الحكايا الشعبية وتوثيقها. الأخير الذي يتولى اليوم تنسيق «مهرجان الحكايات والموسيقى»، كان قد أنشأ عام 2010، أول «مركز لتوثيق الحكاية الشعبية» في لبنان لصالح مشروع «مدرسة الحكايات» و«منتدى التراث والثقافة في الهرمل». «شيخ الحكواتيين» الذي يشارك في المهرجان المذكور كقاص ومحاضر، كان أيضاً، قد تولى إدارة العديد من المهرجانات المشابهة أبرزها «المهرجان الدولي للحكاية الشفهية والمونودراما»، الذي ينظمه مسرح «مونو» منذ 18 عاماً. كذلك أدار فنياً في فرنسا وتحديداً في مدينة نيس، «مهرجانات الحكاية»، إلى جانب فعالية مشابهة في جيبوتي أيضاً.