منذ عام 1997، بدأ السيناريست الفلسطيني السوري حسن سامي يوسف شراكته مع السيناريست السوري نجيب نصير وكتبا مسلسل «نساء صغيرات» (1999_ إخراج باسل الخطيب)، ثم أتبعاه بمجموعة أعمال حققت نجاحاً واسعاً. ظلّ الكاتبان يعتبران مؤسسي دراما العشوائيات بعدما قدّماها في مسلسل «أيامنا الحلوة» (إخراج هشام شربتجي) و «الانتظار» (2006)، وأخيراً «السراب» (2011). لاحقاً، اقتحم مخرجون هذا العالم، وقدّموا أعمالاً تغوص في مشاكل ويوميات سكان الحزام الدمشقي مثل «قاع المدينة» لسمير حسين و«الولادة من الخاصرة» (الجزء الأول والثاني) لرشا شربتجي.
استشرفت تلك المسلسلات جزءاً من المستقبل الدامي الذي كان ينتظر البلاد. وإذا لم تتنبّأ بالزلزال المدوّي الذي يضرب الشام هذه الأيام، فإنها انتبهت على الأقل إلى سيل الفوضى الذي سيجرف كل من يقف في طريقه، من دون أن تعي أن التطورات الراهنة جاءت بعدما صارت العشوائيات قنابل موقوتة تنفجر تباعاً. لكن بعد مرور ما يُقارب ثلاث سنوات على الحرب السورية، أزيلت غالبية المناطق العشوائية نتيجة القصف المستمر، وحمل بعض أبنائها السلاح في وجه النظام. فهل سيتمكّن صنّاع الدراما السورية من الخوض مجدداً في مشاكل تلك المناطق، وما عانته أيام الحرب بعدما صارت أنقاضاً؟
يؤكّد الكاتب السوري نجيب نصير في حديث إلى «الأخبار» أنّ «دراما العشوائيات استشرفت الفوضى أكثر من الانفجار، والفوضى موازية للخراب، لكنها تحافظ على سلميتها من دون حمل السلاح وسفك الدماء بهذه الطريقة المفجعة». وأضاف «الحارة العشوائية ليس لها عنوان. في المقابل، يستحقّ سكّانها العيش بحياة كريمة». في سياق متصل، يلفت نصير إلى أنه أثناء كتابة أعماله، كان هناك تخوّف لديه من «تعمّق الفوضى وازديادها بشكل تصبح الدولة عاجزة عن استيعابها أو حصرها في مناطق معينة. لكننا لم نتوقّع يوماً أن تصل الأمور إلى هذا الحدّ، ولم يقدّم أيّ عمل فنيّ رؤية عن الواقع الأسود الذي كان ينتظرنا». ويضيف «توقّعنا أن سكّان العشوائيات أشخاص مساكين، ومهما ازدادت عليهم ضغوط الحياة، فلن يحملوا السلاح يوماً، وكنّا في كل ما نقدّمه من أعمال حول العشوائيات نطالب الحكومة بالتنبؤ بهذه الحالة في وقتها.
أما الآن، فقد ظهرت النتائج الكارثية». وعن إمكانية عودة الدراما إلى تلك المناطق بعد تهدمها، وتقديم أعمال تلامس ما عانته أثناء الحرب، يجيب نصير «العشوائيات ضدّ الحالة الحداثية في الحياة، ولا أظنّ أنه يمكن أن تعود من جديد. تنظيمها صار مهمة أساسية للمجتمع والدولة، لأنها مثل أيّ جسم يعاني الالتهاب، إن لم يتمّ علاجه فسينفجر. إذا عادت العشوائيات، فستنفجر من جديد، وهذا ما استبعده كلياً».
مع ذلك، يبقى للعشوائيات بُعد سياسي، واجتماعي مهم، فهي تعكس جزءاً من التاريخ المعاصر والمرير عند العرب، ولا بدّ من العودة إليها لأنها جزء من الفوضى الاجتماعية. كذلك فإنها تحتضن مخيمات اللاجئين الفلسطينيين التي تذكّر بهزيمة العرب، وبالنزوح الذي عاناه الفلسطينيون مجدداً في مخيماتهم بعد دخول المسلحين إليها. كل ذلك يمكن أن يُقدّم بصورة بعيدة إلى حدّ ما عن السوداوية التي تؤخذ غالباً على دراما العشوائيات، حتى يحافظ العمل على هدفه الأول في تحقيق المتعة للمشاهد، ثم ملامسة الواقع المؤلم من خلال جرعات من الكوميديا السوداء.