شعرة رفيعة جداً تقف بين حرية الإعلام في تقديم الخبر ومسؤوليته الاجتماعية تجاه الناس وأمنهم. لكنّ الشاشات اللبنانية تقف هذه الأيام خلف متراس الحرية، لتوجّه طلقاتها صوب أمن المجتمع اللبناني الهش فقط من أجل الإثارة واستقطاب المشاهدين. أول من أمس، استضاف برنامج «للنشر» الذي يعرض على قناة «الجديد» شخصاً ادّعى أنّه محاضر في الشريعة الإسلامية. لكن أنجيم شدري ليس سوى الأمين العام السابق لحركة «الأصوليون» المنحلة والداعية الذي اتهمته السلطات البريطانية بتجنيد شباب بريطانيين وإرسالهم إلى سوريا. وأول من أمس، أطلّ مباشرة على الهواء ليدعو «سنّة العالم والمسلمين الحقيقيين» إلى «الجهاد» في سوريا ولبنان والعراق.
وفّر البرنامج للداعية الأصولي منبراً أطلق من خلاله العنان لتصريحات خطيرة. أكد أنّه من محبي الداعية اللبناني عمر بكري فستق، ومعتبراً أن «الحل الأوحد لما يحدث في سوريا والعراق وأفغانستان هو الجهاد». وراح يدافع عن «القاعدة» و«جبهة النصرة»، مؤكداً استعداده لدعمهما مادياً وجسدياً، فهما «يواجهان الأسد وحزب الله وإيران» على حد تعبيره.

ربما لم يجد الشدري منبراً تلفزيونياً آخر يعبر فيه عن مكنوناته العنصرية، فكان «للنشر» ملجأه. بالإضافة إلى تكفير الآخرين المختلفين عنه دينياً، توعد الشدري برفع رايات «لا إله إلا الله» في بيروت وإحلال «الدولة الإسلامية» في كل مكان. أما مقدّم البرنامج طوني خليفة، فقد «تبرّع» بمحاورته ونقاشه، متجاهلاً أنّ كل دقيقة لأمثال هذا الرجل قد تؤسس لما لا تحمد عقباه، فالشارع اللبناني لا يحتاج إلى شعارات ومواقف موتورة.
من جهته، أكد رئيس «المجلس الوطني للإعلام» عبد الهادي محفوظ أن مسألة «إتاحة الهواء المرئي والمسموع أمام شخصيات من هذا النوع» قد طُرحت على طاولة النقاش في اجتماعات المجلس، مشيراً إلى أن المجلس قد «طالب المؤسسات الإعلامية بوقف هذا الأمر». كما اعتبر أنّ توفير منصة لأشخاص موتورين وطائفيين هو بمثابة دعوة إلى حرب أهلية وتعميم فكرة الاقتتال المذهبي، وخصوصاً أنّ هؤلاء يكفّرون جميع أطياف المجتمع. كذلك، لفت إلى أن «الحرب اليوم هي حرب إعلامية»، معتبراً أن وسائل الإعلام يجب أن تغلق «منابر التهديد هذه»، ومشيراً إلى أنّه «علّق مسألة منح تراخيص جديدة لوسائل الإعلام كنوع من التلويح لها بأنّها تقدم على مخالفات كثيرة لأحكام التراخيص وقانون المطبوعات».
بين الحرية والمسؤولية، على وسائل الإعلام أن تختار «الحرية المسؤولة». بذلك، تفتح الهواء لمن يستحق. أما كسر شعرة الفصل بين أن تكون حراً وأن تكون مسؤولاً، فسوف يفقد كثيرين، ممن لا ذنب لهم، حريتهم المستحقة.