كغيرها من المخرجين اللبنانيين ممن تزامن وعيهم السينمائي مع الاقتتال الداخلي مثل برهان علوية وجان شمعون ومارون بغدادي ونهلة الشهال، انتقلت جوسلين صعب إلى السينما الوثائقية، بعدما كانت مراسلة تلفزيونية حتى اندلاع الحرب. البداية كانت مع باكورتها «لبنان في الدوّامة» (1975 ــ 75 د) الذي أخرجته بعد أشهر على حادثة عين الرمانة. صحيح أن الفترة قصيرة، لكنها كانت قد فعلت الكثير. آلاف القتلى والجرحى وخطف واختفاء وتقسيم مناطقي. في فيلمها، حاولت المخرجة أن تبتعد عن السياسة المباشرة وأحداثها. راحت إلى أسباب الحرب بأبعادها الاجتماعية والسياسية، مظهّرة مكوّنات المجتمع اللبناني، عبر مشاهد من الجبل وبعلبك والجنوب وضواحي بيروت، مع التركيز على قضايا مزارعي التبغ والصيادين. بهذا الشريط الوثائقي، افتتحت «دار النمر» (كليمنصو ــ بيروت) شهر جوسلين صعب للأفلام الذي يستمرّ حتى 27 تشرين الثاني (نوفمبر). مساء كل ثلاثاء من هذا الشهر، سيتمّ عرض فيلم أو فيلمين للمخرجة اللبنانية، بتنسيق الباحثة الفرنسية ماتيلد روكسيل التي درست سينما صعب في كتابها «جوسلين صعب، الذاكرة الجامحة» (دار النهار ــ 2015). يركّز الشهر على تجربة جوسلين في السينما الوثائقية والتسجيلية خلال السبعينيات، في أفلام حملت وعيها السياسي اليساري، بالإضافة إلى عرض باكورتها الروائية العاطفية. عند السادسة من مساء غد الثلاثاء، سنشاهد فيلمي «بيروت لم تعد كما كانت» (1976 ــ 36 د) و«من أجل بعض الحياة» (1976 ــ 17 د) الذي يعرض للمرّة الأولى، ويدور حول فترة حكم ريمون إدّه للانتخابات الرئاسية، وبحثه عن مفقودي الحرب من كل الطوائف بما يتعارض مع اتجاه الحرب في تلك الفترة المشتعلة (بين 1975 و1976). أما «بيروت لم تعد كما كانت» فقد صوّر خلال هدنة عام 1976. طوال ستة أشهر، جالت صعب في الشوارع والتقطت صوراً للركام والدمار والشوارع الخالية إلا من بعض الأطفال الذين خرجوا للعب. تترافق هذه المشاهد مع صوت الشاعرة إتيل عدنان تلقي قصيدة، وأصوات الناس وهم ينقلون رواياتهم ومعاناتهم خلال الحرب. مع تقدّم أحداث الحرب وتطوّر تجربتها السينمائية، صارت صعب تذهب إلى أماكن أكثر خصوصيّة في نظرتها إلى الأحداث، كما في شريطها «رسالة من بيروت» (1978 ــ 52 د) الذي يعرض مساء الثلاثاء 20 تشرين الثاني. ينطلق الفيلم من نظرة شخصية إلى الحرب، والشعور بالغربة تجاه مدينة تغيّرت بين ليلة وأخرى. يجري الفيلم على خطّ سردي يجمع الخيال مع التوثيق ليوميات الناس والمدينة والجنوب اللبناني بالتزامن مع الاحتلال الإسرائيلي. على البرنامج أيضاً فيلم «غزل البنات» (1984 ــ 90 د) الذي يعدّ الشريط الأول في السينما الروائية التي ستكرّس لها صعب أفلامها اللاحقة: «حياة معلّقة» (1985) و«كان يا ما كان بيروت» (1995)، و«دنيا» (2005)، و«شو عمبصير» (2009). في «غزل البنات» الذي يعرض عند السادسة من مساء الثلاثاء 27 تشرين الثاني، تقدّم صعب قصة حب على مقاس بيروت وحروبها اليومية التي تؤثّر في علاقات الناس. هنا قصة تجمع الشابة هالة التي تهرب من ما يحيط بها عبر الأفلام المصرية، مع الفنان كريم الذي تحميه عزلته داخل شقته في بيروت الغربية على هامش الحرب.

* شهر جوسلين صعب في «دار النمر» (كليمنصو): كل ثلاثاء من تشرين الثاني (نوفمبر) ـ للاستعلام: 01/367013