منذ أكثر من أربع سنوات، اتخذ النجم السوري أيمن زيدان (1956)قراراً بالابتعاد عن المسلسلات، واتجه صوب مشاريع فنية تقلّل من حسرته تجاه واقع دراما بلاده التي يعدّ أحد صنّاع مجدها، والمساهمين في انتشارها عربياً. هكذا، جسّد خلال هذه الفترة بطولة ثلاثة أفلام روائية سورية («الأب» لباسل الخطيب ــ 2015، و«درب السما» لجود سعيد ــ 2016، وأخيراً «مسافرو الحرب» لسعيد أيضاً)، كما أخرج هذه السنة فيلمه الروائي «أمينة». وقد شهدت السنوات العشر الماضية، ولادة ثلاث مجموعات قصصية، هي: «ليلة رمادية» (دار بعل ــ 2008)، و«أوجاع» (2015) ثم «تفاصيل» (2018) عن دار «نينوى». اليوم، يعود الفنان لارتداء ثوب المقدّم التلفزيوني ضمن مشروع كان هو عرّابه. ضمن المروحة البرامجية الجديدة لقناة «لنا» السورية التي تتخذ من بيروت مقرّاً لها، يُبصر برنامج «سيبيا» قريباً النور، ليكون ثالث تجربة من نوعها لزيدان بعد «وزنك ذهب» (1998) و«لقاء الأجيال ــ 2009 ــ (موسمان) على تلفزيون «أبوظبي».
أيمن زيدان: المشهد الثقافي والفني أشبه بمستنقع (يوسف بدوي)

في مسرح «فرساي» في شارع الحمرا البيروتي حيث تتواصل التحضيرات للعمل، التقينا أيمن زيدان حول هذه التجربة التي يصفها بـ «الوجدانية أكثر منها إعلامية. هذه المرّة المسألة متربطة بموضوع يؤرقني في حياتي، وأرى أنّه من الضروري التطرّق إليه… الأمر متعلّق بالأمس والذاكرة وبجيل كامل علينا الإفادة من خبراته».
وُلدت الفكرة من «قناعتني بأنّه لا يمكن خلق واقع جيّد وغد أفضل إذا لم نتعلّم من البارحة. الجيل القديم على علاقة وثيقة بذاكرة المكان، وأساليب التواصل بين الناس، وطرق العيش والحب والتعبير وغيرها من أوجه العلاقات الاجتماعية قبل زمن مواقع التواصل الاجتماعي». ويتابع: «كل المنازل فيها حكايا الناس الذين سكنوها. وعلينا الإنصات لهؤلاء، ومعرفة بماذا يوصون الأجيال الجديدة».
ويتابع زيدان مشدّداً على أنّ لهذه الفكرة برأيه أهمية كبرى اليوم، «فهناك شبه قطيعة بين الجيل القديم وشباب اليوم علينا إنهاؤها. لا بدّ من ردم هذه الهوّة واستعادة الامتداد الطبيعي بينهما». وفي إجابته عن سؤالنا حول اختيار اسم «سيبيا» تحديداً، يجيب: «صحيح أنّه اسم حيوانات مائية رخوية، غير أنّ المقصود منه كعنوان للبرنامج هو الاسم الذي يُطلق على اللون البنّي المحمّر… ففي تقنيات التصوير، وعندما بدأت تدرّجات اللون البني تدخل على الأبيض والأسود، وُلد لون يُدعى «سيبيا»… أنا أقصد كلّ ما فيه إحساس عتيق، رغم أنّنا لن نتوقّف عند القديم لأنّنا سنستمع إلى نصائح الجيل القديمة لنا اليوم».
من جهته، يشرح المنتج المنفذّ لـ «سيبيا» (إخراج جان الحدّاد، إنتاج شركة «المنبر»)، أحمد رمضان، أنّه على مدى 15 حلقة، ستتم استضافة «أشخاص عاديين لا تقل أعمارهم عن السبعين عاماً، من لبنان وفلسطين وسوريا، ومن مختلف المجالات والخلفيات والمهن. سيتطرّق الحديث إلى أيّام زمان وذكريات الزمن الجميل». أما عن كيفية اختيار الضيوف، فيشير رمضان إلى أنّ المهمّة ألقيت على عاتق «فريق إعداد كبير. تتمحور الحلقات حول ثيمات معيّنة. سنرى مثلاً امرأة ورجلاً، أحدهما لم يتزوّج والآخر دخل القفص الذهبي مراراً، أو شخصلاً متعلّماً وآخر أميّاً».
ينكب حالياً على كتابة مشروع سينمائي جديد


يؤكّد رمضان أنّ أيمن زيدان أراد إنجاز برنامج «مختلف». وحين نقول له إنّ بعض البرامج الاجتماعية استقدمت حالات مشابهة في السابق، يسارع إلى الردّ بأنّ المعالجة في «سيبيا» لن تكون اجتماعية، بل «ستطرح المواضيع عبر الغوص في ذكريات الأشخاص وأحاسيسهم عن طريق أسئلة معدّة بعناية»، في سبيل «الرجوع إلى التقاليد القديمة، وتوثيق العادات الاجتماعية والمكان والزمان وتعامل الناس مع بعضهم، فيما تطغى على الحوار أجواء الطرافة وخفة الظل».
في هذا السياق، يُخبرنا أيمن زيدان أنّه بالتوزاي مع البحث المعمّق الذي أجراه فريق العمل، «تعاونّا مع الموسيقي السوري سمير كويفاتي الذي تولّى الإشراف على تحضير وتسجيل ثلاثين أغنية، أدّتها المغنية السورية الشهيرة ميّادة بسيليس والمغنّي الشاب خلدون حنّاوي، أحيَيْناها من الإرث الغنائي في الأربعينيات والخمسينيات». سيُطلب من الضيف انتقاء واحدة هي الأحبّ إلى قلبه أو يرغب في سماعها، للإضاءة على الفن القديم والرجوع بالزمن إلى الأعمال التي تشكّل جزءاً أساسياً من ذاكرتنا ووجداننا.
الحديث مع بطل «بطل من هذا الزمان» يقودنا إلى موقفه من الدراما السورية اليوم، وما إذا كانت «القطيعة» مستمرّة. «هي ليست قطيعة. عندما يكون لدى الفنان أرشيف غني من الأعمال، بالطبع لن يريد اغتيال أجزاء منه. أنا في انتظار خيار جيّد ومناسب. في السنوات الأربع الماضية، انصرفت إلى مجالات أخرى أحبّها» يقول قبل أن يضيف: «باختصار، ما يحدث في المشهد الثقافي والفني هو أنّه أشبه بمستنقع. نحن على الحافة، وضغوط الحياة تنهكنا، لذا نحاول المقاومة وإبقاء جذورنا في الأرض. بعد سنوات من الابتعاد عن العمل التلفزيوني، ليست لدي رغبة أبداً في السباحة في الأمكنة الضحلة. لست مضطراً للإقدام على خطوات ناقصة». وفيما يلفت إلى أنّه يكتب مشروعاً سينمائياً جديداً، يؤكد زيدان أنّ استمرار تجربة «سيبيا» بعد الموسم الأوّل تتوقّف على «مدى وصول الفكرة إلى الجمهور بالتصوّر نفسه الذي نطمح إليه. إذا شعرنا بأنّ البرنامج مفيد على المستوى المعرفي والجمالي، فلا مانع من استمرار أي شي مفيد وجميل، وهي مسؤولية كبيرة من دون شك».