أربع سنوات حتى الآن وأشرف فياض في سجون السعودية، بعدما كان قد حُكم عليه بالإعدام، ليُخفَّف الحكم بعدها إلى ثماني سنوات وثمانمئة جلدة، على خلفية كتابة الشعر ومجموعته «التعليمات في الداخل». مرّ عام كامل ولم نسمع بأي تحرك أو مطالبة للإفراج عن الشاعر الذي ما زال يقبع في ظلام زنزانته بعدما رحل والده بأزمة قلبية إثر صدور الحكم على ولده. لا تحرُّك، لا من المثقفين الفلسطينيين، ولا من السلطة الفلسطينية، ولا حتى من الناشطين الأجانب، كأن العالم يستسلم أمام الظلام والقهر الذي يبتلع الشاعر. كان ٢٠١٨ عاماً ساخناً سياسياً واجتماعياً وثقافياً، بدأ بإعلان ترامب القدس عاصمة للاحتلال، وشهد توسعات استيطانية كبيرة وتهجير قرى وهدم بيوت، كل ذلك بجانب شعور عام بالتخلي والخذلان يتكرس، ليس من العالم فقط بل أكثر من الجيران العرب. عام رجّع صدى صرخة محمود درويش «يا وحدنا» تلقفته أفئدة مناضلين ليس لديهم الكثير ليخسروه، في القدس وغزة وعلى الطرقات التي تربط المستوطنات في البلاد المحتلة.
هذا وعجلة الثقافة لم تتوقف لتتركز في مثلث حيفا، رام الله، غزة. نضع خطاً عريضاً تحت حيفا التي يقود حراكها الثقافي جيل جديد يمتلك الوعي والأدوات المطلوبة للمواجهة الثقافية المباشرة مع المحتل الذي لم يفلح في تغيير هوية المدينة وأصحابها. معارض كتب ومهرجانات ولقاءات وعروض موسيقية ومسرحية هزّت أركان المدينة على مدار العام، مذكرةً بالهوية الثقافية الفلسطينية.
أدبياً، كان العام حافلاً بالعديد من الإصدارات، برز أدب الطفل بوضوح، وشهدنا عناوين لافتة حققت حضوراً عربياً مهماً نذكر منها «أنا وصديقي الحمار» لمحمود شقير، و«الخالة زركشات تبيع القبعات» عاد بها علاء حليحل، لا للكتابة للأطفال فقط، بل للكتابة والرسم معاً، و«مصنع الذكريات» لأحلام بشارات، و«جليتر» لمايا أبو الحايات، و«كوزي» الإصدار الأول للكاتبة أنستاسيا قرواني التي نالت «جائزة الاتصالات» عن أفضل إخراج. شعرياً، لم يظهر إلينا الكثير من عناوين الشعر، نذكر منها «استيقظ كي تحلم» لمريد البرغوثي، وترجمة إلى الهولندية لفاتنة الغرة، بينما كانت الغلبة للروايات. إبراهيم نصر الله انتزع جائزة «بوكر» عن روايته «حرب الكلب الثانية»، ثورة حوامدة حصلت على جائزة «كتارا» عن روايتها «جنة لم تسقط تفاحتها»، وحصل عاطف أبو سيف على الجائزة نفسها لفئة روايات الفتيان غير المنشورة عن روايته «قارب من يافا». محمود شقير صدرت له سيرة أدبية بعنوان «أنا والكتابة»، سليم البيك أصدر روايته الثانية «سيناريو»، زكريا محمد الذي عودنا غزارة إنتاجه الأدبي والفكري صدر له كتاب تاريخي معرفي جديد تحت عنوان «حين سحقت حية موسى: نشوء اليهودية في فلسطين في العصر الفارسي»، وصدر لسعاد العامري كتاب يوثّق ويبحث في عمارة فلسطين قبل الاحتلال تحت عنوان «عمارة قرى فلسطين». ولم تمضِ السنة دون خسارات، إذ رحل عن عالمنا الروائي جمال ناجي (أريحا 1954 - عمّان 2018)، والشاعر والكاتب خيري منصور (دير الغصون 1945 - عمّان 2018)، والكاتب سلامة كيلة (بيرزيت 1955 - عمّان 2018). ما يجمع هؤلاء الثلاثة غير الكتابة أنهم ولدوا في فلسطين ورحلوا لاجئين خارجها. وفي آخر أيام هذا العام، شكّل خبر رحيل الشاعرة كوليت أبو حسين (1980-2018) صدمة في الأوساط الثقافية.
منذر جوابرة انتزع جائزة «بينالي الفن الآسيوي» عن أعماله المشاركة «علّو»

وبينما شهد الأدب زخماً وحضوراً فلسطينياً وعربياً لافتاً، كانت السينما في استراحة، انتهت 2018 بإنتاج سينمائي متقشف عكس السنة التي سبقتها. من ناحية أخرى، شهدنا دورة ناجحة من «أيام فلسطين السينمائية» في رام الله، وأخرى من «مهرجان السجادة الحمراء» في غزة، وبرزت النسخة الثالثة من مهرجان «أصوات للأفلام الكويرية ـ كوز» في حيفا، وهو مهرجان تنظمه مؤسسة «أصوات» التي تهتم بالحريات الجنسية والجندرية في فلسطين، ونسخة أولى من «مهرجان إيليا للأفلام القصيرة»، بجانب مجموعة من أفلام قصيرة لافتة لمخرجين واعدين. وسجل فيلم مؤيد عليان «التقارير حول سارة وسليم» سابقة تاريخية بإعطاء أدوار البطولة لممثلين إسرائيليين خدموا الاحتلال. أمر شكل صدمة دفعت العديد من المتابعين والمهتمين إلى الدعوة إلى مقاطعة الفيلم، فيما ينكبّ إيليا سليمان على تصوير فيلمه الجديد والجميع ينتظر.
الموسيقى كانت حاضرة في 2018. بعد انتظار سبع سنوات، وبعد ألبومهم الأخير «أسفار»، أصدر الثلاثي جبران ألبوم «المسيرة الطويلة» التي أفصحوا فيه عن انعطافة موسيقية مختلفة عن تجربتهم السابقة. كاميليا جبران اطلعتنا على مشروع موسيقي جديد بعنوان «سداسي» جمعت فيه أصواتاً شابة من فلسطين ولبنان ومصر، باسل زايد الذي افتقدنا أعماله لسنوات عاد بقوة واستمعنا إلى مشروعه الجديد «ثلاثي أين»، وأفصح عن أعمال موسيقية جديدة قد تظهر قريباً. فرقة «يلالان» التي أسسها محمود عوض برفقة أصدقائه عام 2005، أصدرت أخيراً ألبومها الأول «حان الآن» وضم أغنيات أصلية جديدة. وحلّت على فلسطين والموسيقى خسارة كبيرة تمثلت برحيل الفنانة ريم بنا (1966- 2018).
في الفنون التشكيلية، صدر لرسام الكاريكاتور محمد سباعنة كتاب أول بعنوان «أبيض وأسود»، وحصلت صفاء خطيب على جائزة «مسابقة الفنان الشاب» التي تقيمها مؤسسة «عبد المحسن القطان» كل عامين. وشهدنا نشاطاً لافتاً لمجموعة من الفنانين في غزة، منهم شريف سرحان الذي أنجز تجهيزاً في الفضاء العام، وكان مسؤولاً عن مجموعة من ورشات العمل الفنية. منذر جوابرة انتزع جائزة «بينالي الفن الآسيوي» عن أعماله المشاركة «علّو»، وشاهدنا صوراً لعمل أدائي لخالد جرار في نيويورك بعنوان «دم طازج للبيع». وحصل تيسير البطنيجي على وسام «الفنون والآداب» الذي تمنحه وزارة الثقافة الفرنسية. ورحل الفنان سمير سلامة (صفد 1944 - باريس 2018 ) بعيداً عن أرضه التي عاش ورسم من أجلها.
مؤسسة «عبد المحسن القطان» افتتحت مقراً جديداً ضخماً يضمّ العديد من قاعات العرض والتدريب المختلفة. «المتحف الفلسطيني» عيّن الباحثة والأكاديمية عادلة العايدي مديرةً، وشهد معرض «فلسطين الدولي للكتاب» حضوراً لافتاً، وحافظ «مهرجان الرقص المعاصر» ومهرجان «فلسطين الدولي» على زخمهما المعتاد.
ماذا بعد؟ الكثير طبعاً! تبقى هذه الأسطر كأنها لمحة سريعة عن سنة ثقافية، سنة ظلت مشحونة بالأحداث والانتهاكات اليومية من قبل الاحتلال، مشحونة بالانقسام وضعف سلطة فلسطينية تقف بذلّ وهوان أمام كيان يعيش أفضل أوقاته وعالم لا يبالي، سنة تعيد وضع الأسئلة مرة أخرى أمام المثقف، أسئلة كثيرة تتعلق بأرضه وحقوقه وحياة أجيال بأكملها. قبل أيام رفض الأب منويل مسلَّم تسلم رسالة تهنئة رئيس السلطة محمود عباس بمناسبة الأعياد، التي أشارت إلى مدن وبلدات الشطر الشرقي من فلسطين فقط! رفضها مسلَّم ووجّه رسالة مفتوحة يقول فيها: «أنا لست مسيحي دولة أوسلو، أي الضفة الغربية وقطاع غزة. أنا مسيحي فلسطين التاريخية من رأس الناقورة إلى أم الرشراش ومن البحر إلى النهر».