ماذا يمكن للمرء أن يتمنى للعام الجديد وعالمنا ورشة خراب عارمة، نوع من تسونامي كونية لا تتوقف عن الترداد والدمار والقتل؟ إنسانيتنا بكاملها تتمتع باختلاق المشاكل والمحارق، غير عابئة بالبحث عن حلول تعالج فيها أمراضها المتفاقمة، المتراكمة والمتزايدة كأن في سر ميلادها جرثومة فنائها.هل يحق لي أن أفكر على هذا النحو، أن أعبِّر على هذا النحو وأنا على مطلع سنة جديدة؟
بالتأكيد لا، وأنا هنا أخالف طبيعة الجماعة المفترض بي أن أتفاءل وأعطي براهين عن الأمل القادم حتى تستمر المدينة سعيدة ببؤسها، متمتعة بمصائبها المتواصلة كأنها ليست أكثر من تجربة صعبة وستمر إلى غد أفضل.
ليت لي أن أكذب، ليت لي أن أكذب على من أحب وعلى من لا أحب، لكنت تفاءلت بعض الشيء وقلت كلاماً يمكن أن نستأنس به ويدخل الفرح العابر إلى القلوب الخائبة ولو لبعض الوقت، مهما كان هذا البعض قصيراً.
ولكن، لا بأس من المحاولة في أن نرى في بعض التظاهرات هنا وهناك أعمالاً جادة تتحول مع الوقت إلى جهود قادرة على ليّ ذراع الأحمق العالمي دونالد ترامب في الخروج من لعبة الحرب واستبدال صناعة السلاح بصناعة السلام.
الأكيد أن صناعة السلاح هي العدو الأول للحياة ليس فقط لأنها أداة قتل، بل لأنه في بناء المجتمعات على اقتصادها، يحمل تعميمها النار إلى العالم أجمع. النار حتى لا تنتشر يجب أن تنطفئ، وفي عدم إطفاء النار، مهما كانت بعيدة، فإنها ستصل إلينا عاجلاً.
إن جحافل اللاجئين في مختلف القارات لا يمكن وقفها ببناء الأسوار والحواجز. إنهم يتجاوزون الأسوار الطبيعية من جبال وبحار ومحيطات وصحارى ولا يمكن لأسوار صناعية واهية أن تمنعهم من المضي في مسيرتهم. لأن لهذه المسيرة العملاقة محركاً خارق القوة اسمه اليأس. والسور الحقيقي لوقفها هو في القضاء عليها في رحمها من الأمكنة التي تنطلق منها عبر استبدال صناعة السلاح بصناعة السلام، بحيث لا يعود المرء في حاجة إلى الهرب حتى يضمن لنفسه حياة سالمة ومستقرة وتصبح قضية السفر أو عدمه قضية إرادية محض وليست قهراً إضافياً... والدول التي تخاف على حدودها من جحافل اللاجئين تكون عمياء في اعتقادها أنها قادرة على تقوية هذه الحدود من دون بناء السلام عند الذين يحتاجون إليه.
ونحن في عالمنا، في حاجة إلى بناء السلام وبناء أسبابه أكثر من أي مكان آخر في العالم. سلام المساواة وسلام الحقوق وسلام الكرامات المصانة للجميع. السلام في سوريا والعراق واليمن وليبيا والسلام في حديقة السلام العالمية، فلسطين المحتلة.
أما في لبنان، فأمنيتي هي أن تخرج هذه «الجمهورية السكرانة» من حروبها الأهلية النفسية التي لا تزال تتناهشها كمرض عضال، بحيث تصحو لتكون دولة المواطن. المواطن هو الأساس، قبل البنك وقبل الزعيم وقبل الطائفة وقبل المذهب.
الإنسان هو الأصل وهو السبب والهدف.
* شاعر لبناني مقيم في فرنسا