‎يريدون أن أخاطب السنة الآفلة: ليست المرة الأولى التي يخطر فيها شيء كهذا. لعلّ هذه اللعبة الأدبية تحدث في نهاية كل سنة. لا داعي للقول إننا هكذا نخترع الزمن الذي ينبغي أن يتزمّن. بدون ذلك، لن يكون له وجود. لن يكون لنا أيضاً وجود، فنحن كائنات زمانية. لكن هذا دليل آخر على عدم وجودنا. نخاطب الزمن الغارب الذي لم نستطع إيقافه، الذي صار هكذا مِلكاً لنا. لمجرد أنه مات قبلنا، صار لنا كون وصار لنا زمان. عند كل عيد، نشعر بأننا نملك سلطة ونخرج لاستعراضها. نرميها كنَخب ونختصرها كنَخب، وهكذا نخرج مرة أخرى من الجنة منتصرين على الحياة التي صارت فجأة رقماً ساقطاً، شيكاً على بياض بالملايين غير المعدودة إلا بالبياض. ثم يكون من قوتنا أن نكلم السنة التي ترتجف على الحافة. لن نخاطبها بالطبع بالدموع، فنحن في هذه الساعة أسياد وأحرار من أي ضغط وفي أيدينا ذلك النَخب الذي يشبه زهرة الخلود.‎نحن الآن بين عامين في قطيعة وفي فراغ وفي قوس قزح وومضة تساوي النَخب ولا زمن فيها. سنكون ملوكاً في هذه اللحظة ولن نأبه. سنقول إن هذه الصحبة كانت باهظة وكانت من شوك وعضّتنا دقائقها وثوانيها. سنقول إننا الآن سادة ولن ننشغل بحك جلودنا. نحن ملوك ولن نخدم بعد على طاولة الثواني. نحن أبناء العدم ولن نُستعبد بعد في حانة الأيام. سيقول البعض سرقتنا الأيام، أحبّتنا ضاعوا بين يوم ويوم دهستهم رؤوس السنين. سحقتهم الليالي، خسرنا بعدد الشهور وعدد الأسابيع. لم يكن هناك ثمن لذلك. لقد خُطفنا عن الطريق، قُتلنا بكلماتنا، صرنا عبيد خطانا.
‎غلبتنا أفكارنا وسقطنا تحت نوايانا. ماذا نفعل إذا سقطت الكأس سوى أن نحطمها على جسد السنة الميتة، سوى أن نبدلها بأول صباح جديد؟ ذلك سندخل فيه الى أكواخنا ونبدأ هناك خدمتنا، ستكون هناك قطعة من الزمن في انتظارنا. سيكون هناك رأس آخر فوق الصخرة التي علينا أن نحملها. ستكون هناك خدمة طويلة وستسحبنا الأسابيع جسداً وراء جسد الى حيث يخف الزمن، يخف إلى أن لا يبقى فيه سوى العدم ونعود نحن ملوك اللحظة وربما أسياد الفراغ، ولن يكون هناك أيضاً ما يقال سوى أن من يتكلمون تصلنا أصواتهم من بلاد أخرى، ومن يتذكر يعرف أن ليس هنا سوى خرخرة النهر الذي يتدفق بين القبور في جبال الماضي حيث يقول الرقيم إننا خرجنا من الجنة.
* شاعر وروائي لبناني