جمع تجارب في «أغورا» في العاصمة اللبنانية، يشبه واحدة من الصحوات المقدسة لبشري على حافة الموت. مسرحية من سوريا (حدث هذا غداً)، ثانية من المغرب (حادة)، ثالثة من لبنان (أليسانة) ورابعة من تونس (ستربتيز). لا يزال اللبنانيون والتوانسة في مقدم السباق، ذلك أنّ «ستربتيز» لمعز مرابط، أبعد التجارب عن الإنبات الإصطناعي. جاء الرجل بفيديو مسرحيته لأنّ وزارة الثقافة رفضت المساهمة في تمويل رحلة الفرقة إلى بيروت. هذا طبيعي، لأنّ «ستربتيز» لا تلائم من عنوانها السلطة الإسلامية الحاكمة المتقنعة بالتغيير. إشارة تخترق الرئة. الإشارة الأخرى ترتبط بمفاهيم حضور المختبر في التجارب العربية، فـ «ستربتيز» الأقرب إلى المفهوم هذا من أي مسرحية أخرى في «أغورا1» القائم على حشد المختبرات القليلة على خشبة «دوار الشمس». لا يحضر المختبر كثيراً في الأعمال الأخرى. الشغل على التجريب في مسرحية «أليسانة/ تدريب على الطاعة» لفرقة «زقاق»، لا يقترب من مفهوم المختبر، حتى يبتعد عنه. ضبط البريشتية، يفتقد إلى التنظيم واستعادة الإيقاع من فم الشيطان، في الشطح البليغ على المحركات الشقية للمعرفة. لا يكفي حضور السرد لقيام التغريب. امتد السرد في بداية المسرحية على مدى أكثر من ثلث أو ربع ساعة، بالطريق إلى استعادة الممثلين اللعبة من المخرج المسرحي. لهو، لا تسلسل مقطعياً.
ذلك أن التغريب، يشتغل على التسلسل وانقلاب التسلسل على ذاته صوب إنكشاف اللعبة على الجمهور وممارسة الأخير حريته الكاملة في المواجهة. وجدت على خشبة «أليسانة» سائر المستخلصات المسرحية من الصفائح إلى الموت المتحجر. فوضى استغرق ضبطها صبر الجمهور بالكامل، على مدى وقت العرض. لا يتيح بريشت الحرية بالتعامل مع العرض والفضاء المسرحيين فقط، لأنه أقام عروضه على منهج لا على المشاغل المنفصلة عنه. لحم بريشت في «أليسانة» لحم ميت. لا عزاء لبريشت ولا لـ «زقاق» في ذلك لأن التجربة المحشودة بالأبحاث الشخصية والجماعية، بحاجة إلى تصويب مسار أبرزها انتزاع الهالة الرسولية عن رأس التجربة. الأجود، كمثال، تجربة الحكواتي مع روجيه عساف. بنى المسرحي المخضرم، التجربة على «ضد القداسة» مما طوبها في هامش التجارب المقدسة، لا في لبنان وحده، بل في العالم العربي أيضاً. ثم إنّ التجربة بدأت ببريشت، وانتهت إلى استبدال المحرك الدافع، بدوافع أخرى. لم يعد الحكواتي دوراً، كسائر الأدوار في المسرحية البريشتية. هذا ثانياً. لأن ما قاد إلى ثانياً، الشغل أولاً على اعتبار التغريب جيفة بصالح السهرة الشعبية. 
كل منذور للقديم منذور للموت. الكلام على ذلك كلام حب. كل ختام بالكلام ، على تجربة، إعلان حرب على مستقبل التجارب المسرحية الشبابية. ما تحتاجه التجارب هذا، لا قرابين الغفران. تحتاج إلى الإشارة إلى العظام العطلة في التجربة هذه وتلك. لا مشاريع إلهية بالمسرح. ولو تحدث المسرح عن الإيمان والإلحاد في قصة الأمبراطورين الرومانيين. استعمال القوة على المسرح في غاية الخطورة. حدث هذا في العرض السوري «حدث هذا غداً»( العنوان قريب من عنوان فيلم المخرج السينمائي السوري سمير ذكرى «وقائع العام المقبل»). حدث في العرض اللبناني، حين حاول جنيد سري الدين، السيطرة على العرض بنوع من القوة، بإسدال التغريب في حضن العرض، بدل محاورته. التتمة حتمية، تقليد ورهن التجربة، بكلها ، إلى التقاليد المسرحية بحجة التجديد. هنا، ديكور مكشوف. تركيب المشاهد من الأدوات المفرودة على الخشبة على عيون الناس. لا خروج من الأدوار لإعادة الدخول فيها، لأن ادراك معنى الأداء البريشتي، بقي مرهوناً بسيطرة جنيد سري الدين على طين العرض، بحيث بدا أن لا مناص من تشبك خيوطه على مقاسات سري الدين بدور المخرج، قائد المسرحية إلى رياح تغريبها البعيدة. صراع على السلطة، كما روى، في مداخلته في اللقاء الحواري، باليوم الأخير من « أغورا واحد». وحده العرض التونسي «ستربتيز» الغائب عن روزنامة المهرجان البيروتي، إلا ببعض المشاهد المصورة ومداخلة مخرجه القيمة في اليوم الإخير المخصص بتفكيك العروض، وقف على أبواب الكون الشاملة في المختبر. ذلك أن اشتباكه السياسي اشتباك مباشر مع سلفيي تونس، آلهة الشرع الجديد في المدينة الإسلامية الفاضلة على اكتاف الملائكة العاجزة عن أي شيء سوى الموت بتعاسة، أمام الأفعال المريبة لأصحاب العقائد المتصلبة. العري في مواجهة المبالغة، في دوران عجلات الدنيا الطيبة على القدر. مادة التجريب في الممثل. لا بعد بين الإثنين. لذا، اختبر  المخرج التونسي العلاقة الكاملة بين خريجي المعهد العالي للفنون المسرحية وبين صور الفنون الأخرى، من الفنون القتالية إلى فنون السيرك، نجم العروض العالمية الأخيرة. بنت ستيفاني تيرش عرضها الراقص الأخير على فنون السيرك («أجساد غريبة» على خشبة «مسرح المدينة» في عرض احتفال بمرور عشر سنوات على بداية تجربة «مقامات» اللبنانية). الإختبار قابل للتحول، ذلك أنه لن ينحصر بمواءمة الفنون، بعيداً من التهجين، لأنه لن يلبث أن يحلق في فضاءات جديدة، حين يرغب بالحصول على الشكل/ الأصل، ليس من خلال رعب الواقع وحده، بل من خلال النصوص القديمة. لم يجد مرابط  في «حالة حصار» لألبير كامو جثماناً شرعياً، إذ اعتبره بوابة من بوابات الإختبار على نهب الذات بإسم الدين. أسلبة وتقنع عبر ماكياج، أشبه بنزيف الجسد، وجرأة خروج الجسد بعري مقدس إلى دوره المختار بالطريق إلى الدهشة، حيث المسرح سر الدهشة، بحسب يونسكو.
قيامة المسرح عند معز مرابط بالإختبار. لن يدركه إلا بأجساد ضد الإجهاد. هكذا، أخضع الجسد إلى تأمين لياقته المنتظرة بالركض الدائم بين زمنين. لا تزال التجربة التونسية، بقوة اثارة الدهشة، حتى في الأفلام المصورة عن مسرحيات لا تخشى المنظور القائم، حين لا تنفك تلامسه وتمسه بما يستأهله من شعر ونقاوة ومدلول، عكس المسرح المغربي. قدم الأخير دائماً بثنائية محبطة، من أحد طرفي الثنائية هذه. عبد الحق الزروالي، صاحب المونودرامات الثابتة الحضور في مهرجانات المسرح العربي، بدافع اقتصادي. مسرحية بطرف واحد. الطيب الصديقي على الضفة الأخرى. صاحب المقامات المسرحية على الضفة المقابلة لضفة الزروالي المستعجل في عروضه على تجسيم الأحداث، بأكداس الكلام. باغورا، عرض لا يمت إلى الدارج هذا، من فرقة «دابا تياتر» . عرض «حادة» قصة امرأة بين حبين، حب المناضل الماركسي وحب المجاهد المسلم. لن يلبث الأخير أن يتحول إلى إمام. ابتهالات إلى الله، ودور مختار في نقد الأوضاع السياسية والإجتماعية والفكرية في المملكة المغربية. ميكروفون على خشبة المسرح، تحت ضوئين دائريين وسقف حديدي مشبك. خلفية المسرح شاشة. على يمين المسرح ثلاثي عزف موسيقيى حية. لا يكفي ذلك للخروج من مصيدة الكليشيه المسرحي إلى التجريب في المختبر. ذلك أن جواد السنني، مخرج العرض، لا يوافق على وصف العرض بالمونودراما. وجد أن عناصر العرض متساوية. لا مونودراما اذن. مسرح تفاعلي رقمي. لا تكفي الشاشة بأفلام الصور المتحركة، للكلام على مسرح تفاعلي رقمي. «حادة» عرض متعذر، لأنه أميل إلى عروض الستاند آب كوميدي، بدون رغبة المخرج. لا شيء آخر سوى الإعجاب بالمانغا اليابانية. بدا ذلك في العمليات على ظل الممثلة المرافق حضورها باستمرار. العروض الأخرى ضعيفة، لا جوهر حضور لها بأحرفها العربية وشموسها وأقمارها. دور غير متحقق. لن يحرر الأمر المسرحية من صفتها الوحيدة، الستاند آب كوميدي. لن يحرز الإخراج نصره إلا بمواجهة الذوات الجاهلة بالحياة. من ينحني للملك مثله مثل الأصولي. لا بأس. غير أن المنطق غائب عن العرض، بحضور الفتاة البسيطة الأمية، بحسب مطوية العرض، وهي تواجه الموت النازل من جب الظلام. غياب تام للدارماتورجيا، ما كثر الكلام عنه في الملتقى المسرحي المصغر.
أربعة عروض لا تبني لقاءً حقيقياً، غير أنها تقدم فكرة. لا تزال المسرحية العربية، خاضعة للمعلمين الأوائل، ستانسلافسكي ومايرخولد وغروتوفسكي وفيتازو بوبوف وفاختانكوف وغيرهم. التذكار في الكتب القديمة، ليس مداناً. المدان أن لا تفرق سرايا المسرح تحت شمس المسرح في مداولات درجات اللون. صاعق، أن يهدر جواد السنني وقته على ابتداع 5 كودات عربية، لا علاقة لها بالكودات المنتجة من شمال العالم الأبيض. بحيث لا يعود الفتى العربي يستلهم وقفات روبيرت دينيرو وجيمس دين وهو يغازل حبيبته في الحياة أو على المنصة. هنا، لا شيء وراء الوجه إلا العمى، حيث الأعضاء مرايا لا توافق إلا المثال المفرد المرفوع ضد الضوء. راوحت المختبرات بين الفرع الوردي والنموذج الجامع. لا شرخ مفاجئاً، هذا من تردادات الخطوة الأولى.