هناك ما هو طازج دائماً في تجربة شوقي أبي شقرا (1935). الفتنة نفسها في فاكهته المحرّمة. نحّات كلمات لا يعبأ بمعجم الآخرين، ينزلق الطين من بين أصابعه، فيتحوّل بلمسة ساحر إلى صلصال. خيميائي من طراز خاص. لا معادن مزيّفة في مشغله الشعري. موعد دائم مع ذهب اللغة ورنينها اللامرئي. من هنا، يأتي تكريمه اليوم في منتدى «شهرياد» البيروتي، اعترافاً إضافياً بفرادة حضوره، وسطوة نصّه، فهذا الشاعر الثمانيني ظلّ على حدة، يتوارى ثم يلمع كنيزك، شاعر منشق، عبارته مصقولة على مهل، ريفي وسريالي فوق قماشة واحدة. أنجز قطيعته باكراً، من دون ادعاءات نظرية. لم يستورد حداثته من أحد، إذ هضم تراث أسلافه بعمق، ثمّ التفت إلى ذاته في فحص ما هو مخبوء ومهمل وهامشي وإعادة اكتشافه بنظرة مضادة، بقصد أسطرته بمزيد من اللمعان. عبارة مثل «حيرتي جالسة تفاحة على الطاولة» تختزل أطناناً من ركام الآخرين، لفرط كثافتها ومذاقها وخصبها. الخصوبة تتعدى عناوين كتبه لتشمل حقله البلاغي كاملاً. سننسى الصخب الذي رافق مجلة «شعر» بوصفه أحد الآباء المؤسسين لها، فهو لطالما وقف عند تخوم التجربة ليشقّ طريقه مفرداً بمعول الهدم، ويبني عمارته الشاهقة بذراعيه، نافضاً الغبار عنه بمخزونه الشخصي في المقام الأول، وابتكاراته المدهشة في تقليب التربة وحرثها بعمق، ما يوقعنا في صدمات متكرّرة، كترجيع لمباغتاته الجمالية. خصوصية صاحب «خطوات الملك» تكمن إذاً، في هذا الافتراق، بما يتيح لقصيدته/ لغته، أن تخلع ثيابها وتتعرّى غير عابئة بما ينتظرها من أهوال ومهالك وارتدادات. وفي المقابل نأى بنفسه عن الشيوع العمومي، فهو شاعر نخبوي على نحوٍ ما، يمضي من دون ضجيج، مثل صوفي بمريدين مخلصين يدركون جوهر التجربة عن كثب، وليس بقوة الإشاعة أو ختم الريادة. فصاحة مشغولة بالإبرة والخيط. خشونة لفظية حيناً، وغرابة في التركيب طوراً، تبعاً لحدس اللحظة وسيولة ماء اللغة، أو كما يقول «كيف تريدني أن أسكن جسداً آخر غير جسدي؟». هكذا استمرت المغامرة، من دون توقف، في مطحنة شعرية مغايرة. لذلك بقي اسم شوقي أبي شقرا حكراً على نخبة منتقاة، وذائقة لم تخضع لما هو سائد ومكرّر وممجوج، فهذا شاعر يغربل اللغة من الحصى وفائض البلاغة.

* برعاية وزارة الثقافة اللبنانية، يقيم «منتدى شهرياد» أمسية تكريمية للشاعر شوقي أبي شقرا عند السابعة والنصف من مساء اليوم في فندق «غولدن وتوليب» (الحمرا). يقدّم الأمسية الناقد والكاتب سليمان بختي، ويتخللها عزف على الغيتار (جهاد وهبه) ورسم مباشر (التشكيلي علي شحرور). وتشهد كلمات ومشاركات لعدد من الكتّاب من بينهم: مدير عام وزارة الثقافة علي الصمد، وسمير عطا الله، وعبده لبكي وغيرهم