لسنا بحاجة الى أي شرح عن «دار النمر» ورسالتها ومبادئها وقواعدها الديموقراطيّة. إذ نكاد نكون من «مؤسّسي» هذا المركز الثقافي الفريد في بيروت، بالمعنى الرمزي والمجازي طبعاً. لقد رافقنا التجربة إعلاميّاً، ودعمناها وندعمها، ولا فضل لنا في ذلك. لكن، إذا كانت مهمّتنا هي مواكبة هذه المؤسسة ودعمها والدفاع عنها، فإن من صلب عملنا مساءلتها ومحاسبتها. إن طريقة تقديم «دار النمر» لفيلم هالة العبدالله، هي التي أثارت حفيظة كثيرين في لبنان وخارجه. هناك تبنّ كامل لأطروحة أيديولوجيّة أثبتت الأحداث خواءها وعدم انطباقها على الواقع. لا نسمح لنفسنا بإعطاء دروس، ولا نضع علامات في الوطنيّة لأحد، ولا ندافع عن نظام سياسي معيّن: نحن مجرّد شهود. ومن حق «دار النمر» وواجبها أن تنفتح على كل الإبداع، وأن تعتمد قواعد الديموقراطية وأخلاقياتها، وتستضيف من تشاء. لكن حين يتعلق الأمر بالقضية المركزيّة، نظن أن السذاجة ممنوعة، والحياد مستحيل! الصادم هو ــــ كما ورد في إشارة «الأخبار» ــــ انعدام أي مسافة نقدية في البيان الذي قدّم الحدث. إن برمجة فيلم بروباغندا من دون وضعه في إطاره الصحيح، في هذه اللحظة التي تضرب إسرائيل كل يوم سوريا، سيفهمه الجمهور موقفاً سياسياً من قبل الدار.لا نتمنى لهذا المركز أن يصبح «لوكندة» لهذه الأجندة أو تلك، وأن يروح يقدّم أي شيء، في أي وقت، من دون رؤية كاملة وخطة شاملة. غداً يأتي «نادي لكل الناس» أو غيره، ويقترح عليكم برمجة فيلم زياد دويري «الإسرائيلي»، ثم فيلمه التالي الذي يحقّر القضية الفلسطينية ويمجّد بشير الجميل، ويعيد إحياء الأطروحة الانعزالية للحرب الأهليّة اللبنانيّة («الفلسطيني كان يريد تصفية المسيحيين»!). ويقترح عليكم تنظيم ندوة بعد العرضين مع دويري ومنتجه وراعيه أنطون صحناوي (ما غيره!). هل ستقبلون أوتوماتيكيّاً، باسم الديموقراطية، وتعدد وجهات النظر؟
هذا المكان غالٍ وغزيز علينا، وحتى الآن نعتبره محجة للفن والثقافة والإبداع، ومعقلاً للفكر الوطني التنويري المنفتح، بوصلته فلسطين. ومن حقنا أن نخاف عليه. لا نقلل من قيمة «بطل» الفيلم ولا صانعته. ولا ندعو إلى منع أي فيلم، فالرقابة ألدّ أعدائنا. إنما نلفت إلى الفخ السياسي الذي وقعت فيه «الدار»، بتبنّي خطاب «ثوري» ساذج، لا يصلح إلا للاستهلاك في «جمهورية باريس الفاضلة». باريس التي سحبت ــــ بكل ديموقراطيّة ــــ فيلم جود سعيد من مهرجان السينما في «معهد العالم العربي» بعدما أقرّت مشاركته («الأخبار»، أول يوليو 2018)، بتحريض من «ضيفتكم الثورية» إيّاها وطغمتها. هل فكرتم بعرض هذا الفيلم وعنوانه «رجل وثلاثة أيام»» في «دار النمر»؟
إسمحوا لنا بأن نصرّ على موقفنا النقدي والغاضب، فالعتب على قدر المحبّة: لقد تبنّت «دار النمر» في طريقة تقديمها للفيلم خطاباً أجوفَ، يسهم في تمويه حقيقة الصراع في المنطقة في مواجهة الغرب ومحميّته الاستعماريّة («إسرائيل»)، وأدواته (الرجعيّات العربيّة والإسلامويّة) والطاعون التكفيري الرابض. كان ينبغي وضع فيلم هالة العبدالله في سياقه السياسي والأيديولوجي، احتراماً للجمهور والديموقراطية، ودعوة من يستطيع أن يناقشه بطريقة نقدية، (أو عرضه مثلاً في سياق مجموعة من الأفلام السورية ضمن برمجة متكاملة، واضحة، متوازنة). لاستدراك هذا الفخ، كانت لتكفي عبارة بسيطة في إعلانكم عن عرض الفيلم، تشير إلى «يوتوبيا الثورة» التي لا تتطابق بالضرورة مع جوهر الصراع في المنطقة… هذا باسم فلسطين، بوصلتنا في هذا الليل العظيم، وقضيتنا المركزيّة المشتركة، وبالإذن من راعي «الربيع العربي» المسروق، أي الغرب «الديموقراطي» الذي يمعن في محو فلسطين من الخريطة، ويشهد بالزور على المجازر المتواصلة بحق شعبها منذ سبعين عاماً.
* «التحرير»